وقال الأزهري :" الذِّمَّة : الأمان ".
وفي الحديث :" ويسعى بذمَّتِهم أدْناهُمْ ".
قال أبو عبيد :" الذِّمَّة : الأمانُ ههنا، يقول إذا أعطى أدنى الناسُ أماناً لكافر نفذَ عليهم، ولذلك أجاز عمر - رضي الله عنه - أمان عبدٍ على جميع العسكر ".
وقال الأصمعي " الذِّمَّة : ما لَزِم أن يُحفظَ ويُحْمَى ".
قوله :" يُرْضُونَكُم " فيه وجهان : أحدهما : أنه مستأنفٌ، وهذا هو الظاهر، أخبر أنَّ حالهم كذلك.
والثاني : أنها في محلِّ نصب على الحال من فاعل " لاَ يَرْقُبُواْ ".
قال أبُو البقاءِ :" وليس بشيءٍ ؛ لأنَّهم بعد ظهورهم لا يُرْضُون المؤمنين ".
ومعنى الآية : يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم.
قوله :" وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ " يقالُ : أبَى يَأبَى، أي : اشتد امتناعه، فكلَّ إباءٍ امتناعٌ من غير عكس، قال :[الطويل] ٢٧٦٧ - أبَى اللهُ إلاَّ عَدْلَهُ ووفاءهُ
فَلاَ النُّكْر مَعْروفٌ ولا العُرْفُ ضَائِع
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤
وقال آخر :[الطويل] ٢٧٦٨ - أَبَى الضَّيْمَ والنُّعمانُ يَحْرِقُ نَابَهُ
عَليْهِ فأفْضَى والسُّيوفُ مَعَاقِلُهْ
فليس مَنْ فسَّره بمطلق الامتناع بمصيبٍ.
ومجيءُ المضارعِ منه على " يفعل " بفتح العين شاذٌّ، ومثله " قَلَى يَقْلَى في لغة ".
فصل المعنى :" وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ " الإيمان " وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ " وفيه سؤالان : السؤال الأول : أنَّ الموصوفين بهذه الصفة كفار، والكفر أقبح وأخبث من الفسق، فكيف يحسن وصفهم بالفسق في معرض المبالغة ؟ السؤال الثاني : أنَّ الكفار كلُّهم فاسقون، فلا يبقى لقوله :" وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ " فائدة،
٢٩
والجواب عن الأوَّلِ : أنَّ الكافِر قد يكونُ عَدْلاً في دينه، وقد يكون فاسقاً خبيث النفس في دينه، فالمرادُ أن هؤلاء الكفار الذين من عادتهم نقض العهود، " أكثرُهُمُ فَاسقُون " في دينهم، وذلك يوجب المبالغة في الذَّم.
والجوابُ عن الثَّاني عين الأوَّل ؛ لأنَّ الكافر قد يكون محترزاً عن الكذب، ونقض العهد، والمكر، والخديعة وقد يكون موصوفاً بذلك، ومثل هذا الشَّخص يكون مذموماً عند جميع النَّاسِ، وفي جميع الأديان.
ومعنى الآية : أنَّ أكثرهم موصوف بهذه الصفات الذميمة.
وقال ابنُ عبَّاسٍ " لا يبعدُ أن يكون بعض أولئك الكفار قد أسلم، وتاب، فلهذا السبب قال :" وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ".
ليخرج عن هذا الحكم، أولئك الذين أسْلَمُوا ".
قوله ﴿اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
قال مجاهدٌ " أطعم أبو سفيان حلفاءه، وترك حلفاء رسول الله ﷺ فنقضوا العهد الذي كان بينهم بسبب تلك الأكلة ".
وقال ابنُ عبَّاسٍ :" إنَّ أهل الطائف أمدرهم بالأموال ليقووهم على حرب رسول الله ﷺ ".
وقيل : لا يبعدُ أن تكون طائفة من اليهود، أعانوا المشركين على نقض العهود، فكان المراد من هذه الآية، ذم أولئك اليهود، وهذا اللفظُ في القرآن، كالأمر المختص باليهود، ويتأكد هذا بأنَّ الله تعالى أعاد قوله :﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ ولو كان المراد منه المشركين، لكان هذا تكراراً محضاً، وإذا حمل على اليهود لم يكن تكراراً، فكان أوْلَى.
ثم قال :" إِنَّهُمْ سَآءَ " أي : بئس " مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ".
قال أبُو حيَّان : يجوزُ أن تكون على بابها من التَّصرُّف والتعدِّي، ومفعولها محذوفٌ، أي : ساءهم الذي كانُوا يعملُونه، أو عملُهم، وأن تكون الجارية مَجْرى " بِئْسَ " فتُحَوَّل إلى " فَعُل " بالضمِّ، ويمتنع تصرُّفها، وتصيرُ للذَّم، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً، كما تقرَّر مراراً.
قوله :﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ أي : لا تبقوا عليهم أيها المؤمنون كما لا يبقُون عليكم لو ظهروا.
﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ لنقض العهد، وتعديهم ما حدّ اللهُ في دينه، وما يوجبه العقد والعهد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤


الصفحة التالية
Icon