فصل قال القرطبيُّ " استدلُّوا بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدِّين، إذ هو كافر، والطعنُ هو أن ينسب إليه ما لا يليقُ به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدِّين، لما ثبت بالدليل القطعي على صحَّة أصوله، واستقامة فروعه " قال ابنُ المنذر :" أجمع عامَّةُ أهل العلم على أنَّ من سبَّ النبي ﷺ يقتل ".
قال القرطبيُّ :" وأمَّا الذِّمي إذا طعن في الدِّين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك، لقوله تعالى :﴿وَإِن نَّكَثُوا ااْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ [التوبة : ١٣] الآية، فأمر بقتلهم وقتالهم، وهو مذهب الشَّافعي وقال أبو حنيفة : يستتابُ، وإنَّ مجرَّد الطَّعن لا ينقض به العهد إلاَّ مع وجود النَّكث ".
فصل [إذا حارب الذميُّ انتقض عهده، وكان ماله وولده فيئاً معه].
فصل قال القرطبيُّ :" أكثر العلماء على أنَّ من سبَّ النبي ﷺ من أهل الذِّمة، أو عرَّض، أو استخفَّ بقدره، أو وصفه بغير الوجه الذي نعت به فإنه يقتل ؛ لأنَّا لَمْ نُعْطِه الذِّمة أو العهد على هذا، لقوله تعالى :﴿وَإِن نَّكَثُوا ااْ أَيْمَانَهُم﴾ الآية، وقال أبو حنيفة والثوريُّ وأتباعهما من أهل الكوفة : لا يقتلُ، لأنَّ ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدَّب ".
فصل قال القرطبي :" اختلفوا فيما إذا سبَّه ثم اسلم تقية من القتل، فقيل : يسقطُ القتل بإسلامه، وهو المشهور من المذاهب ؛ لأن الإسلام يجُبُّ ما قبله.
بخلاف المسلم إذا سبَّه ثم تاب، قال تعالى :﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا ااْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال : ٣٨].
وقيل : لا يسقط الإسلام قتله، قاله في العتيبة ".
قوله تعالى :﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ الآية.
اعلم أنَّه تعالى لمَّا قال في الآية الأولى :" ألاَ تُقاتِلُونَ " وذكر الأشياء التي توجبُ إقدامهم على القتالِ، ذكر في هذه الآية خمسة أنواع من الفوائد، كلُّ واحد منها يعظم موقعه إذا انفرد فكيف إذا اجتمعت ؟.
أولها : قوله :﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ وسمى ذلك عذاباً ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يعذب الكافرين، إن شاءَ في الدُّنيا، وإن شاء في الآخرة، والمراد من هذا العذاب القتل تارةً، والأسر أخرى، واغتنام الأموال ثالثاً.
٣٧