وهذا كما قال الآخرُ في " حراء " : اسم الجبل المعروف،  اعتباراً بتأنيث البقعة في قوله :[الوافر] ٢٧٧٥ - ألَسْنَا أكْثَرَ الثَّقليْنِ رَجْلاً
وأعْظَمَهُمْ بِبطْنِ حِرَاءَ نَارَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٥
فصل المرادُ بالمواطن الكثيرة : غزوات رسول الله ﷺ،  ويقال : إنها ثمانون موطناً،  فأعلمهم أنه تعالى هو الذي تولَّى نصر المؤمنين،  ومن نصره الله فلا غالب له،  ثم قال
٥٦
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ " أي : واذكر يوم حُنَيْن من جملة تلك المواطن حال ما أعجبتكم كثرتكم،  و " حنين " واد بين مكة والطائف.
 وقيل : إلى جنب ذي المجاز.
 قال الرواةُ : لمَّا فتح رسول الله ﷺ مكّة،  وقد بقيت أيامٌ من شهر رمضان،  خرج متوجهاً إلى حنين،  لقتال هوازن وثقيف،  في اثني عشر ألفاً،  عشرة آلاف من المهاجرين،  وألفان من الطلقاءِ.
 وقال عطاءٌ : عن ابن عباس " كانوا ستة عشر ألفاً ".
 وقال الكلبيُّ " كانوا عشرة آلاف ".
 وكان هوازن وثقيف أربعة آلاف،  وعلى هوازن : مالكُ بن عوف النضري،  وعلى ثقيف : كنانة بن عبد ياليل الثقفي،  فلما التقى الجمعان،  قال رجلٌ من الأنصار يقال له : سملة بنُ سلامة بن وقش : لن نغلب اليوم عن لقَّةٍ،  وهو المراد من قوله :﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾،  فساء رسول الله ﷺ كلامه،  ووكلوا إلى كلمة الرجل،  وفي رواية : لم يرض الله قوله،  ووكلُوا إلى أنفسهم،  فاقتتلوا قتالاً شديداً ؛ فانهزم المشركون وتخلّوا عن الذراري،  ثم نادوا يا حماة السواد اذكروا الفضائح،  فتراجعوا،  وانكشف المسلمون.
 قال قتادةُ : وذكر لنا أنَّ الطُّلقاء انجفلوا يومئذ بالنَّاسِ.
 قوله :" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ " فيه أوجه : أحدهما : أنَّهُ عطفٌ على محلِّ قوله :" فِي مَوَاطِنَ " عطف ظرف الزمان من غير واسطة " في " على ظرف المكان المجرور بها،  ولا غرو في نسق ظرف زمان على مكان،  أو العكس،  تقول : سرت أمامك ويوم الجمعة،  إلاَّ أنَّ الأحسن أن يُتركَ العاطفُ في مثله.
 الثاني : زعم ابنُ عطية : أنَّه يجوز أن يُعطف على لفظ " مَواطِنَ " بقتدير :" وفِي يَوْمِ "،  فحذف حرف الخفض،  وهذا لا حاجة إليه.
 الثالث : قال الزمخشريُّ :" فإن قلت : كيف عطف الزمان على المكان،  وهو " يَوْمَ حُنينٍ " على " مَواطِنَ " ؟.
 قلت : معناه : وموطن يوم حنين،  أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين ".
 الرابع : أن يُراد بـ " المواطِن " : الأوقاتُ،  فحينئذٍ إنَّما عطف زمانٌ على زمان.
 قال الزمخشريُّ - بعدما تقدَّم عنه - :" ويجوزُ أن يُراد بـ " المواطن " : الوقت،  كـ :
٥٧