فالجوابُ : أولئك لا يكونوا داخلين تحت هذه الآية، وإنما وجبت الجزيةُ عيهم ؛ لأنَّه لمَّا ثبت وجوب الجزية على بعضهم ؛ وجب القول به في حل الكلِّ ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
وأما النَّصارى فيقولون بالأب والابن وروح القُدسِ، والحلول والاتحاد، وذلك ينافي الإلهيَّة.
وإنَّما خصَّ الله الطائفتين بقبول الجزية منهم ؛ لأنَّهم في الظاهر ألصقوا أنفسهم بموسى وعيسى - عليهما الصَّلاة والسَّلام -، وادَّعُوا أنهم يعملون بالتوراة والإنجيل ؛ فلأجل تعظيم هذين الرسولين المعظمين، وكتابيهما المعظمين، ولتعظيم أسلاف هؤلاء اليهود والنصارى، لأنهم كانوا على الدِّين الحق، حكم الله بقبول الجزية منهم، وإلاَّ ففي الحقيقة لا فرق بينهم وبين المشركين.
فصل في قوله :﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ أقوال : أحدها : قال عبيد بن عمير : إنَّما قال هذا رجلٌ واحد من اليهود اسمه : فنحاص بن عازوراء، وهو الذي قال :﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ﴾ [آل عمران : ١٨١].
وثانيها : روى سعيدُ بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال :" أتى رسول الله ﷺ جماعة من اليهود سلام بن مشكم، والنعمان بن أبي أوْفَى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، ولا تزعم أنَّ عُزيراً ابن الله ؟ فنزلت هذه الآية.
وعلى هذين القولين، فالقائل بهذا بعض اليهود، وإنما نُسب ذلك إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على الواحدِ، يقال : فلانٌ ركبَ الخيولَ وجالسَ السَّلاطينَن ولعله لم يركب ولم يجالس إلا واحداً.
وثالثها : لعلَّ هذا المذهب كان فَاشياً فيهم ثمَّ انقطع، فحكى الله ذلك عنهم، ولا عبرة بإنكار اليهُودِ ذلك، فإنَّ حكاية الله عنهم أصدق، والسَّبب في ذلك ما روى عطية العوفي عن ابن عباس أن اليهود أضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق، فأنساهم الله التوراة، ونسخها من صدورهم، فتضرَّع عزير إلى الله وابتهل إليه، فعاد حفظ التوراة إلى قلبه، فأنذر قومه به فلمَّا حرَّبُوه وجدوه صادقاص فيه، ثم إنَّ التابوت نزل بعد دعائه منهم، فلمَّا رأوا التَّابُوتَ عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير ؛ فوجدوه مثله، فقالوا : ما أوتي عزير هذا إلاَّ أنه ابن الله.
٧٠