الصلاة والسلام :" ما أدي زكاتُهُ فليْسَ بِكَنْزٍ " وروى مجاهد عن ابن عبَّاسٍ قال : لمَّا نزلت هذه الآيةُ كبر ذلك على المسلمين، وقالوا : ما يستطيعُ أحد منَّا أن يدع لولده شيئاً، فذكر ذلك عمر للرسول الله ﷺ، فقال :" إنَّ الله لمْ يفْرضِ الزَّكاةَ إلاَّ ليطيِّبَ بها ما بقي من أموالكُم " وسئل ابنُ عمر عن هذه الآية فقال : كان هذا قبل أن تنزل الزَّكاة، فلمَّا نزلت جعلها اللهُ طُهْراً للأموال.
وقال ابنُ عمر :" مَا أبَالي لوْ أنَّ لي مثلَ أحُدٍ ذهباً أعلم عددهُ أزكيه، وأعمل بطاعة الله عزَّ وجلَّ ".
وكان في زمان الرسول - عليه الصلاة والسلام - جماعة مياسير كعثمان، وعبد الرحمن بن عوف وكان عليه الصلاة والسلام يعدُّهم من أكابر المؤمنين، وندب عليه الصلاة والسلام إلى إخراج الثلث أو أقل في المرض، ولو كان جمع المال محرماً لكان عليه الصلاة والسلام يأمر المريض بالتَّصدق بكله، بل كان يأمر الصحيحَ في حال صحته بذلك، وقال عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص :" إنَّك إن تَدعْ ورثَتَكَ أغْنياءَ خيرٌ مِنْ أنْ تدعهُم عالة يتكَفَّفُون النَّاسَ ".
فصل اختلفوا في وُجُوب الزَّكاةِ في الحليّ، فقال مالكٌ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور وأبو عبيد : لا زكاة فيه.
وهو قول الشافعي بالعراقِ، ووقف فيه بعد ذلك بمصر، وقال الثوريُّ وأبو حنيفة والأوزاعي : فيه الزكاة.
فإن قيل : مَنْ لمْ يكنُزْ ولم يُنفِقْ في سبيل الله وأنفقَ في المعاصي، هل يكون حكمه في الوعيد حكم من كنز ولم يُنْفق في سبيل الله.
قيل : إنَّ ذلك أشدّ، فإن من بذل ماله في المعاصي، عصى من جهتين : بالإنفاق والتناول، كـ : شراء الخَمْرِ وشربها.
بل من
٨٢
جهات إذا كانت المعصية ممَّا تتعدَّى كمنْ أعانَ على ظُلْمِ مسلم من قتله أو أخذ ماله.
فإن قيل : لِمَ خُصت هذه الأعضاءُ ؟ فالجواب من وجوه : أحدها : أنَّ المقصودَ من كسب الأموال، حصول فرح القلب، فيظهر أثره في الوجه، وحصول الشبع ينفتح بسببه الجنبان، وليس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم، فلمَّا طلبوا تزيين هذه الأعضاء الثلاثة، حصل الكي على الجباه والجنوب والظهور.
وثانيها : أنَّ هذه الاعضاء مجوفة وفي داخلها آلات ضعيفة يعظم تألُّمها بسبب وصول أدنى أثر غليها، بخلاف سائر الأعضاء.
وثالثها : قال أبُو بكر الوراق : خصت هذه المواضع بالذكر ؛ لأنَّ صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبهته وإذا جلس الفقيرُ بجنبه تباعد عنه وولَّى ظهره.
ورابعها : أنهم يُكوون على الجهات الأربع، أمَّا من مقدمه فعلى الجبهة، وأمَّا من خلفه فعلى الظهر، وأما من يمينه ويساره فعلى الجنبين.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٧٧
قوله تعالى :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً﴾ الآية.
" العِدَّة " مصدر بمعنى " العَدَد ".
و " عِندَ اللهِ " منصوبٌ به، أي : في حُكْمه.
و " اثْنَا عشرَ " خبرُ " إنَّ "، وقرأ ميسرة عن حفص، وهي قراءةُ أبي جعفر " اثْنَا عَشْرَ " بسكون العين مع ثبوتِ الألف قبلها، واستكرهتْ من حيثُ الجمعُ بين ساكنين على غير حَدَّيْهما، كقولهم :" التقَتْ حَلْقتَا البطانِ " بإثباتِ الألف من " حَلْقتَا ".
وقرأ طلحة بسكون الشين كأنه حمل " عشر " في المذكر على " عشرة " في المؤنث، و " شَهْراً " نصب على التمييز، وهو مؤكِّد ؛ لأنه قد فُهِم ذلك من الأول، فهو كقولك : عندي من الدَّنانير عشرون ديناراً.
والجمعُ متغاير في قوله " عِدَّة الشُّهورِ " وفي قوله تعالى :﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ﴾ [البقرة : ١٩٧] ؛ لأنَّ هذا جمعُ كثرة، وذاك جمعُ قلة.
٨٣


الصفحة التالية
Icon