الذي لأجله خلق المالُ، وذلك سعي في المنع من ظهور حكمة الله تعالى، وهو غير جائز، فأمر الله بصرف طائفة منه إلى الفقير حتَّى لا تتعطل تلك الحكمة.
ومنها : أنَّ الفقراء عيالُ الله، لقوله تعالى ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود : ٦] والأغنياء خزان الله ؛ لأنَّ الأموال التي في أيديهم لله تعالى، ولولا أن الله ألقاها في أيديهم، لما ملكوا منها حبة واحدة.
ومنها : أنَّ المال بالكليَّة في يد الغني مع أنَّه غير محتاج إليه، وإهمال جانب الفقير العاجز عن الكسب بالكليَّة، لا يليقُ بحكمة الرحيم ؛ فوجب أن يجب على الغنيّ صرف طائفة من ذلك المال إلى الفقير.
ومنها : أنَّ الأغنياء لو لم يقوموا بمهمات الفقراء ربّما حملهم شدة الحاجة ومضرة المسكنة على الالتحاق بأعداء المسلمين، أو على الإقدامِ على الأفعال المنكرة كالسرقة وغيرها ؛ فإيجاب الزكاة يفيد هذه الفائدة ؛ فوجب القول بوجوبها وقيل غير ذلك.
فصل كلمة " إنَّما " للحصر، فدلَّت على أنه لا حق في الصدقات لأحد إلاَّ لهذه الأصناف الثمانية وذلك مجمع عليه، ويدلُّ على أنَّ كلمة " إنَّما " للحصر ؛ لأنها مركبة من " إن " و " ما "، و " إن " للإثبات و " ما " للنفي "، واجتماعهما يوجب بقاءهما على ذلك المفهوم، وكذلك تمسَّك ابنُ عبَّاسٍ في نفي ربا الفضل بقوله عليه الصلاة والسلام " إنَّما الرِّبَا في النَّسيئَةِ "، وتمسك بعض الصحابة في أن الإكسال لا يوجب الاغتسال بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الماءُ من الماءِ "، ولولا إفادتها الحصر، لما كان كذلك، وقال تعالى ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إله وَاحِدٌ﴾ [النساء : ١٧١] فدلَّت على نفي إلهية الغير ؛ وقال الأعشى :[السريع] ٢٨٠٢ - ولسْتَ بالأكْثَرِ منهُم حَصًى
وإنَّما العِزَّةُ لِلكَاثِرِ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٢١
وقال الفرزدق :[الطويل]
١٢٢
٢٨٠٣ - أنَا الذَّائدُ الحَامِي الذِّمارَ وإنَّما
يدافعُ عنْ أحسابهِمْ أنَا أوْ مِثْلِي
فدلَّت هذه الوجوه على أنَّ كلمة " إنَّما " للحصر.
وروى زياد بن الحارث الصُّدانئي قال : أتيت رسول الله ﷺ فبايعته فأتاه رجل فقال أعطني من الصَّدقة فقال له رسولُ الله ﷺ " إنَّ اللهَ لَمْ يرضَ بحُكْم نبي، ولا غيره في الصَّدقاتِ حتَّى حكم فيها فجَزَّأها ثمانيةَ أجزاء، فإنْ كنتَ من تلكَ الأجزاءِ أعطيتُك حقَّك ".
فصل مذهب أبي حنيفة : أنه يجوز صرف الصَّدقة إلى بعض الأصناف، وهو قول عمر وحذيفة، وابن عباسٍ، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والنخعي.
قال سعيدُ بن جبير : لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقرأ متعففين فحبوتهم بها كان أحب إليَّ وقال الشافعي لا بُدَّ من صرفها إلى الأصناف الثمانية وهو قوك عكرمة، والزهري وعمر بن عبد العزيز واحتج بظاهر الآية.
قال ولا بدَّ في كلِّ صنف من ثلاثة، فإن دفع سهم الفقراء إلى فقيرين ضمن نصيب الثالث، وهو ثلث سهم الفقراءِ قال : ولا بد من التسوية في أنصباء هذه الأصناف الثمانية، مثاله لو وجد خمسة أصناف، ولزمه أن يتصدَّق بعشرة دراهم ؛ لزمه أن يجعل العشرة خمسة أسهم.
واختلفوا في صفة الفقير والمسكين، فقال ابن عباسٍ، والحسنُ، ومجاهدٌ، وعكرمةُ والزهريُّ : الفقير : الذي لا يسأل، والمسكين : السَّائل.
قال ابن عمر : ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم والتمرة إلى التمرة، ولكن الفقير من أنقى نفسه وثيابه ولا يقدر على شيء :﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة : ٢٧٣].
١٢٣


الصفحة التالية
Icon