٨٠]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح : ١٠] ؛ فلذلك جعل الضميرين ضميراً واحداً، تنبيهاً على ذلك.
الثاني : أنَّ الضمير عائدٌ على المثنى بلفظِ الواحد بتأويل المذكور ؛ كقول رؤبة :[الرجز] ٢٨٠٥ - فِيهَا خُطُوطٌ من سوادِ وبلق
كأنَّهُ في الجِلْدِ توليعُ البَهَقْ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٢١
أي : كأن ذلك المذكور، وقد تقدم بيان هذا في أوائل البقرةِ.
الثالث : قال المبرد : في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره : واللهُ أحقُّ أن يرضوه ورسوله وهذا على رأي من يدَّعي الحذف من الثاني.
الرابع - وهو مذهب سيبويه - : أنَّه حذف خبر الأوَّل، وأبقى خبر الثَّاني، وهو أحسنُ من عكسه، وهو قول المبرِّدِ ؛ لأن فيه عدم الفصل بين المبتدأ أو خبره بالإخبار بالشيء عن الأقرب إليه ؛ وأيضاً فهو متعين في قول الشَّاعر :[المنسرح] ٢٨٠٦ - نَحْنُ بِمَا عندنَا وأنتَ بِما
عِندكَ رَاضٍ والرَّأيُ مُختَلِفُ
أي : نحن راضون، حذف " راضُون "، لدلالةِ خبر الثاني عليه.
قال ابنُ عطية :" مذهبُ سيبويه أنَّهُما جملتان، حذفت الأولى، لدلالة الثانية عليها ".
قال أبُو حيان :" إن كان الضمير في " أنَّهُمَا " عائداً على كلِّ واحدةٍ من الجملتين، فكيف يقول " حُذفت الأولى " والأولى لم تحذف، إنما حذفَ خبرها ؟ وإن كان عائداً على الخبر وهو ﴿أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ فلا يكونُ جملة إلاَّ باعتقاد أن يكون " أن يُرضُوهُ " مبتدأ وخبره " أحَقُّ " مقدماً عليه، ولا يتعيَّنُ هذا القول ؛ إذْ يجوزُ أن يكون الخبرُ مفرداً بأن يكون التقدير : أحقُّ بأنْ تُرضُوه ".
قال شهابُ الدِّين : إنما أراد ابنُ عطية التقدير الأول، وهو المشهورُ عند المعربين يجعلون " أحقُّ " خبراً مقدَّماً، و " أن يُرْضوهُ " مبتدأ مؤخراً، والله ورسوله إرضاؤه أحقُّ.
وقتد تقدم تحرير هذا في قوله :﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ﴾ [التوبة : ١٣].
قوله ﴿إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ شرطٌ جوابه محذوف أو متقدم.

فصل قال القرطبيُّ " تضمَّنتْ هذه الآية قبول يمين الحالف، وإن لم يلزم المحلوف له


١٣٢
الرضا، واليمين حق للمدَّعي، وأن يكون اليمينُ بالله عزَّ وجلَّ حسبُ.
وقال النبي ﷺ :" مَنْ حَلفَ فليَحْلفْ باللهِ أو ليَصْمتْ، ومَنْ حُلفَ لَهُ فليُصدِّق ".
قوله :﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا ااْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية.
والمقصود من هذه الآية : شرح أحوال المنافقين الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك.
قرأ الجمهور " يَعْلمُوا " بياء الغيبة، رَدّاً على المنافقين، وقرأ الحسنُ، والأعرجُ " تَعْلَمُوا " بتاء الخطاب، فقيل : هو التفاتٌ من الغيبة إلى الخطابِ إن كان المرادُ المنافقين.
وقيل : الخطاب للنبي ﷺ وأتى بصيغةِ الجمع تعظيماً ؛ كقوله :[الطويل] ٢٨٠٧ - فإنْ شِئْتُ حرَّمْتُ النِّساءَ سِواكُمُ
.............................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٢١
وقيل : الخطابُ للمؤمنين.
وبهذه التقادير الثلاثة يختلف معنى الاستفهام، فعلى الأول يكون الاستفهام للتقريع والتوبيخ، كقول الإنسان لمن حاول تعليمه مدة وبالغ في التعليم فلم يتعلم، يقال له ألمْ تتعلَّم ؟ وإنما حسن ذلك ؛ لأنَّهُ طال مكث رسول الله ﷺ معهم، وكثر تحذيره من معصية الله، والترغيب في طاعة الله.
وعلى الثاني يكون للتعجب من حالهم، وعلى الثالث يكون للتقرير.
والعلم هنا : يحتمل أن يكون على بابه، فتسدَّ " أن " مسدَّ مفعولين عند سيبويه، ومسدَّ أحدهما والآخرُ محذوفٌ عند الأخفش.
وأن يكون بمعنى العرفان، فتسدَّ " أنَّ " مسدَّ مفعوله.
و " مَنْ " شرطيَّة، و " فأنَّ لهُ نار " جوابها.
وفتحت " أنَّ " بعد الفاءِ، لما تقدَّم في الأنعام.
والجملةُ الشرطيةُ في محلِّ رفعِ خبر " أنَّ " الأولى وهذا تخريجٌ واضحٌ.
وقد عدل عن هذا التخريج جماعة إلى وجوهٍ أخر، فقال الزمخشريُّ " ويجوزُ أن يكون " فأنَّ لَهُ " معطوفاً " أنَّه " على أنَّ جواب " مَنْ " محذوفٌ، تقديره : ألم يعلموا أنَّه من يُحادد الله ورسوله يهلكْ، فأنَّ لهُ نَار جَهَنَّمَ " وقال الجرمي والمبرد :" أنَّ " الثانية مكررةٌ للتَّوكيد، كأن التقدير : فلهُ نارُ جهنم، وكُرِّرت " أنَّ " توكيداً، وشبَّهه أبو البقاء بقوله تعالى :﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّواءَ﴾ [النحل : ١١٩] ثم قال :﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ [النحل : ١١٩]، قال : والفاءُ على هذا جوابُ الشرط.
وردَّ أبو حيان على الزمخشري قوله : بأنَّهم نصُّوا على أنَّه إذا حذف جوابُ الشَّرطِ، لزمَ أن يكون فعلُ الشرط ماضياً، أو مضارعاً مقروناً بـ " لَمْ "، والجوابُ على قوله محذوفٌ وفعل الشَّرطِ مضارعٌ غير مقترنٍ بـ " لَمْ " وأيضاً فإنَّا نجدث الكلامَ تامّاً بدون هذا الذي قدَّره.
١٣٣


الصفحة التالية
Icon