الأول : قال الزَّجَّاجُ " كان رسول الله ﷺ إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له " فمنع منه ههنا.
الثاني : قال الكلبي :" لا تقم بإصلاح مُهمَّات قبره، ولا تتولّ دفنه "، من قولهم : قام فلانٌ بأمر فلان، إذا كفاه أمره، ثمَّ إنه تعالى علَّل المنع من الصَّلاة عليه، والقيام على قبره بقوله :﴿إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
فإن قيل : الفسقُ أدْنَى حالاً من الكفر، فلما علل بكونه كافراً ؛ فما فائدةُ وصفه بعد ذلك بالفسق ؟.
فالجوابُ : أنَّ الكافر قد يكونُ عدلاً في دينه، وقد يكون فَاسِقاً في دينه خبيثاً ممقوتاً عند قومه، بالكذب، والخداع، والمكر، وهذه أمورٌ مستقبحةٌ في جميع الأديان، فالمنافقون لمَّا كانوا موصوفين بهذه الصفات، وصفهم الله تعالى بالفسقِ بعد أن وصفهُم بالكفر، تنبيهاً على أنَّ طريقة النِّفاق طريقة مذمُومة عند جميع العالم.
فإن قيل : قوله ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ﴾ صريح بأنَّ ذلك النَّهي معلّلٌ بهذه العلة، وذلك يقتضي تعليل حكم الله تعالى، وهو محال، فإنَّ حكم الله قديمٌ، وهذه العلة محدثة، وتعليل المحدث بالقديم محال.
فالجوابُ : أنَّ البحث في هذه المسألة طويل، وظاهرُ هذه الآية يدلُّ عليه.
فصل قال القرطبي : قوله تعالى :﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ نصّ في الامتناع من الصلاة على الكُفَّار، وليس فيه دليل على الصَّلاة على المؤمنين، واختلفوا هل يؤخذ من مفهومه وجوب الصلاة على المؤمنين ؟ فقيل : يُؤخذ ؛ لأنَّه علَّل المنع من الصَّلاة على الكُفَّار لكفرهم لقوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فإذا زال وجبت الصَّلاةُ، لقوله تعالى ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين : ١٥] يعني : الكفَّار ؛ فدلَّ على أنَّ غير الكفار يرونه وهم المؤمنون.
وقيل : إنَّما تؤخذ الصَّلاة من دليلٍ خارج، وهو الأحاديث، والإجماع.
ومنشأ الخلاف القول بدليل الخطابِ وتركه.
فصل جمهورُ العلماءِ على أنَّ التكبير في الصَّلاة على المَيّت أربع تكبيرات.
وقال ابنُ سيرين : كان التكبير ثلاثاً فزادُوا واحدةً، وعن ابن مسعود، وزيد بن أرقم، يكبر خَمْساً وعن عليٍّ : ست تكبيرات.
١٦٤
فصل قال القرطبيُّ : ولا قراءة في صلاة الجنازة في المشهور من مذهب مالكٍ.
وكذا أبو حنيفة والثوري، لقوله عليه الصلاة والسلام :" إذا صلَّيْتُم على المَيِّت فأخْلِصُوا له الدُّعاءِ " وذهب الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، ومحمدُ بنُ سلمة، وأشهب، وداوود : إلى أنه يقرأ بالفاتحة، لقوله عليه الصلاة والسلام :" لا صلاةَ لِمَنْ لا يَقْرَأ بفَاتِحَةِ الكتابِ ".
والسُّنَّةُ أن يقفَ الإمامُ عند رأسِ الرجل، وعند عجيزةِ المرْأةِ.
قوله تعالى :﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ﴾ الآية.
قيل : هذا تأكيدٌ للآيةِ السَّابقة.
وقال الفارسيُّ :" ليست للتأكيد ؛ لأنَّ تيكَ في قومٍ وهذه في آخرين، وقد تغاير لفظا الآيتين ؛ فهنا " ولاَ " بالواو، لمناسبة عطف نَهْي على نَهْي قبله في قوله :" ولا تُصَلِّ..
ولا تَقُمْ "، " ولاَ تُعْجِبكَ "، فناسبَ ذلك " الواو "، وهناك بـ " الفاء "، لمناسبة تعقيب قوله :﴿وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة : ٥٤] أي : للإنفاق، فهم مُعْجَبون بكثرة الأموالِ والأولادِ، فنهاهُ عن الإعجاب بـ " فاء " التعقيب.
وهنا " وأولاَدهُمْ " دون " لا " نهيٌ عن الإعجاب بهما مجتمعين، وهناك بزيادة " لا " لأنَّه نهيٌ عن كل واحد واحد، فدلَّ مجموعُ الآيتين على النَّهي بالإعجاب بهما مجتمعين ومنفردين ".
قال ابنُ الخطيبِ " السَّبَبُ فيه : أنَّ مثل هذا التَّرتيب يبتدأُ فيه بالأدْنَى ثمَّ يترقَّى إلى الأشرف، فيقال : لا يُعْجِبُنِي أمر الأمير، ولا أمر الوزير، وهذا يدلُّ على عدم التفاوت بين الأمرين عندهم ".
وهنا قال " أن يُعذِّبَهُم "، وهناك قال " ليُعَذِّبَهُم "، فأتى بـ " اللاَّم " المشعرة بالغلية ومفعول الإرادةِ محذوفٌ، أي : إنَّما يريد الله اختبارهم بالأموالِ والأولادِ - وأتى بـ " أنْ " ؛ لأنَّ مصبَّ الإرادة التَّعذيبُ، أي : إنَّما يريد الله تَعْذيبَهُم، فقد اختلف مُتعلَّقُ الإرادة في الآيتين.
هذا هو الظَّاهر.
وقال ابنُ الخطيب " فائدته : التَّنبيه على أنَّ التعليلَ في أحكام الله تعالى محالٌ، وإنَّما ورد حرفُ التعليل زائداً ومعناه " أنْ " لقوله تعالى ﴿وَمَآ أُمِرُوا ااْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ﴾ [البينة : ٥]، أي :" وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله ".
وهناك " فِي الحياةِ الدُّنْيَا "، وهنا
١٦٥
سقطت " الحَيَاة "، تنبيهاً على خِسِّيَّة الدُّنْيَا وأنَّها لا تَسْتحق أن تُسمَّى حياة، لا سيما وقد ذُكرت بعد ذكر موتِ المنافقين ؛ فناسبَ ألاَّ تُسَمَّى حياة ".
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٨