قوله :" حَزَناً " في نصبه ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّهُ مفعولٌ من أجله، والعاملُ فيه " تَفِيضُ " قاله أبو حيان.
لا يقال : إنَّ الفاعل هنا قد اختلف، فإنَّ الفيض مسند للأعين، والحزنَ صادرٌ من أصحاب الأعين، وإذا اختلف الفاعل وجب جرُّه بالحرف ؛ لأنَّا نقول : إنَّ الحزنَ يُسندُ للأعين أيضاً مجازاً، يقال : عين حزينةٌ وسخينةٌ، وعين مسرورةٌ وقريرة، في ضد ذلك.
ويجوز أن يكون النَّاصب له " تولَّوا "، وحينئذٍ يتَّحدُ فاعلا العلَّةِ والمعلولِ حقيقةً.
الثاني : أنَّهُ في محلِّ نصبٍ على الحال، أي : تولَّوا حزينين، أو تفيض أعينهم حزينةً، على ما تقدَّم من المجاز.
الثالث : أنه مصدر ناصبُه مقدرٌ من لفظه، أي : يحزنون حزناً، قاله أبو البقاء.
وهذه الجملةُ التي قدَّرها ناصبة لهذا المصدر هي أيضاً في محلِّ نصبٍ على الحال، إمَّا من فاعل " تولَّوا "، وإمَّا من فاعل " تَفِيضُ ".
قوله :" أَلاَّ يَجِدُوا " فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ مفعولٌ من أجله، والعامل فيه " حزناً " إن أعربناه مفعولاً له، أو حالاً.
وأمَّا إذا أعربناه مصدراً فلا ؛ لأنَّ المصدر لا يعملُ إذا كان مؤكداً لعامله.
وعلى القول بأنَّ " حَزَناً " مفعول من أجله، يكون " ألاَّ يَجِدُوا " علة العلة يعني أن يكون علَّل فيض الدَّمع بالحزن، وعلَّل الحزن بعدم وجدان النَّفقة، وهو واضحٌ وقد تقدَّم نظيرُ ذلك في قوله :﴿جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ﴾ [المائدة : ٣٨].
الثاني : أنه متعلق بـ " تَفِيضُ ".
قال أبو حيان : ولا يجوز ذلك على إعرابه " حَزَناً " مفعولاً له والعاملُ فيه " تفيضُ "، إذ العاملُ لا يقتضي اثنين من المفعول له إلاَّ بالعطفِ، أو البدلِ.
فصل قال المفسِّرون : هم سبعة نفر سموا البكائين، معقل بن يسار، وصخر بن خنساء وعبدالله بن كعب الأنصاري، وعلية بن زيد الأنصاري، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة، وعبد الله بن معقل المزني، أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله : إنَّ الله ندبنا للخروج معك، فاحملنا.
واختلفوا في قوله " لِتحْمِلهُم " قال ابنُ عبَّاس : سألوه أن يحملهم على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة ليغزوا معه، فقال النبي ﷺ :" لا أجِدُ ما أحملكُم عليهِ " فتولَّوا وهم يبكُون
١٧٤
وقال الحسنُ :" نزلت في أبي موسى الأشعري، وأصحابه، أتوا رسول الله ﷺ يستحملونه، ووافق ذلك منه غضباً فقال :" والله لا أحْملكُمْ ولا أجِدُ ما أحْملُكُم عليْهِ " فتولَّوا يبكون، فدعاهم رسول الله ﷺ وأعطاهم ذوداً.
فقال أبو موسى : ألست حلفت يا رسول الله ؟ فقال :" أما إنِّي إن شاء الله لا أحْلِفُ فأرَى غيرَها خيراً منها، إلاَّ أتَيْتُ الذي هُو خَيْرٌ وكفَّرتُ عنْ يَمِيني ".
ولمَّا قال تعالى :﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ قال في هذه الآية :﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ في التخلف :" وهُمْ أغنِيَاءُ ".
قوله :"...
رضُوا " فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ مستأنفٌ، كأنَّهُ قال قائلٌ : ما بالهم استأذنوا في القعودِ، وهُم قادرُون على الجهادِ ؟ فأجيب بقوله :﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ﴾، وإليه مال الزمخشريُّ.
١٧٥
والثاني : أنَّه في محلِّ نصب على الحالِ، و " قَدْ " مقدَّرةٌ في قول.
وتقدَّم الكلام في :" الخَوالفِ ".
" وطبعَ اللهُ على قُلوبِهِمْ " قوله :" وطبعَ " نسقٌ على " رَضُوا " تنبيهاً على أنَّ السَّبب في تخلُّفهم رضاهم بقُعُودهم، وطبعُ الله على قلوبهم، وقوله :" إنَّما السَّبيلُ على " فأتَى بـ " عَلَى "، وإن كان قد يصلُ بـ " إلَى " ؛ لأنَّ " عَلى " تدلُّ على الاستعلاء، وقلة منعة من تدخل عليه، نحو : لي سبيل عليك، ولا سبيل لي عليك، بخلاف " إلى " فإذا قلت : لا سبيل عليك، فهو مُغايرٌ لقولك : لا سبيل إليك، ومن مجيء " إلَى " معه قوله :[الطويل] ٢٨٣٣ - ألاَ ليْتَ شِعْرِي هَلْ إلى أمِّ سالمٍ
سبيلٌ ؟ فأمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فلا صَبْرَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧٠
وقول الآخر :[البسيط] ٢٨٣٤ - هَلء مِنْ سبيلٍ إلى خَمْرٍ فأشْربهَا
أمْ مِنْ سبيلٍ إلى نصْرِ بنِ حجَّاجِ