أظهرهما : أنَّ الياء متعلقةٌ بالفعل قبلها.
والثاني : أنها حالٌ من " الدَّوائر " قاله أبو البقاءِ وليس بظاهرٍ، وعلى هذا يتعلقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر.
و " الدَّوائرِ " جمعُ " دائرةٍ " وهي ما يُحيط بالإنسان من مُصيبة ونكْبَةٍ، تصوُّراً من الدَّائرة المحيطة بالشَّيء من غير انفلاتٍ منها، وأصلها :" دَاوِرَة " ؛ لأنَّها من دَارَ يدُورُ، أي : أحَاطَ، ومعنى " تَربُّص الدَّوائر " أي : انتظار المصائب ؛ قال :[الطويل] ٢٨٣٧ - تَربَّصْ بهَا رَيْبَ المنُونِ لعلَّها
تُطلَّقُ يوْماً أو يَمُوتُ حليلُهَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧٧
قال يمانُ بن رئابٍ :" يعني ينقلبُ الزَّمانُ عليكم فيموت الرسول ﷺ ويظهر المشركون ".
قوله :﴿عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ﴾ هذه الجملةُ معترضةٌ بين جمل هذه القصَّةِ، وهي دعاءٌ على الأعراب المتقدمين، وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو هنا :" السُّوءِ "، وكذا الثانية في الفتحِ بالضَّم والباقون بالفتحِ.
وأمَّا الأولى في الفتح، وهي " ظنَّ السوءِ ".
فاتفق على فتحها السبعةُ.
فأمَّا المفتوح فقيل : هو مصدر.
قال الفرَّاءُ :" فتحُ السِّين هو الوجه ؛ لأنَّه مصدرٌ يقالُ : سُؤتُه سَوْءاً، ومَساءةٌ، وسَوائِيَةٌ، ومَسَائِيَةٌ، وبالضَّم الاسم، كقولك : عليهم دائرةُ البلاءِ والعذاب ".
قال أبُو البقاء :" وهو الضَّرَرُ، وهو مصدر في الحقيقة ".
يعني أنَّه في الأصل كالمفتوح، في أنَّهُ مصدرٌ، ثُمَّ أطلقَ على كل ضررٍ وشرٍّ.
وقال مكي :" مَنْ فتح السِّين فمعناه الفساد والرَّداءة، ومنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضَّرر ".
وظاهرُ هذا أنَّهما اسمان لما ذكر.
ويحتملُ أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أطلقا على ما ذكر.
وقال غيره : المضمومُ العذاب والضرر، والمفتوح : الذم، ألا ترى أنَّه أجمع على فتح ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ [الفتح : ٦] وقوله :﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ [مريم : ٢٨]، إذ لا يليقُ ذكرُ العذاب بهذين الموضعين.
وقال الزمخشري فأحسن :" المضمومُ : العذاب، والمفتوحُ ذمٌّ لـ " دائرة " كقولك : رجُل سوءٍ، في نقيض رجل عدل ؛ لأنَّ منْ دَارتْ عليه يذُمُّهَا ".
يعني أنَّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغةً، ثم أضيفَتْ لصفتها، كقوله تعالى :﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ [مريم : ٢٨].
قال أبُو حيَّان " وقد حكي بالضَّمِّ " ؛ وأنشد الأخفشُ :[الطويل]
١٨٢
٢٨٣٨ - وكُنْتَ كَذِئْبِ السُّوءِ لمَّا رَأى دَماً
بِصَاحبهِ يَوْماً أحَالَ عَلى الدَّمِ
وفي " الدائرة " مذهبان : أظهرهما : أنها صفةٌ على فاعلة، كـ " قائمة ".
وقال الفارسيُّ :" يجوز أن تكون مصدراً كالعافية، ولو لم تضف الدائرة إلى السوء، أو السوء لما عرف منها معنى السُّوء ؛ لأنَّ دائرة الدَّهر لا تستعملُ إلاَّ في المكروهِ، والمعنى : يدور عليهم البلاءُ والحزنُ، فلا يرون في محمد، ودينه إلاَّ ما يَسُوؤهم ".
ثم قال :﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لقولهم، ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيَّاتهم.
قوله تعالى :﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن أنَّ في الأعرابِ من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مَغْرَماً، بيَّن هنا أنَّ منهم أيضاً من يؤمن بالله واليوم الآخر.
قال مجاهدٌ : هم بنو مقرن من مزينة.
وقال الكلبيُّ هم أسلم، وغفار، وجهينة.
وروى أبو هريرة قال : قال رسُول الله ﷺ :" لأسْلمُ وغفارٌ، وشيءٌ مِنْ مُزَيْنَة وجُهَيْنةَ، خَيْرٌ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنْ أسَدٍ وغطفان وهوَازنَ وتَميمٍ ".
قوله :﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ﴾ فـ " قُرُباتٍ " مفعولٌ ثانٍ لـ " يتَّخذَ " كما مرَّ في ﴿مَغْرَماً﴾ [التوبة : ٩٨] ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضمِّ الرَّاء من " قُربَات "، مع اختلافهم في راء " قُرْبة " كما سيأتي، فيحتملُ أن تكون هذه جمعاً لـ " قُرْبة " بالضَّم، كما هي قراءة ورشٍ عن نافعٍ، ويحتملُ أن تكون جمعاً للساكنها، وإنَّما ضُمَّت إتباعاً، كـ " غُرُفَات "، وقد تقدَّم التَّنبيه على هذه القاعدة، وشروطها عند قوله :﴿فِي ظُلُمَاتٍ﴾ [البقرة : ١٧] أول البقرة.
قال الزجاجُ : يجوزُ في " القُرُبَات " أوجه ثلاثة، ضم الراء، وإسكانها، وفتحها.
والمعنى : أنَّهم يتخذون ما ينفقونه سبباً لحصول القربات عند اللهِ.
قوله :" عِندَ اللَّهِ " في هذا الظرف ثلاثة أوجه : أظهرها : أنَّه متعلقٌ بـ " يتَّخذ " والثاني : أنَّهُ ظرف لـ " قُرُبات "، قاله أبو البقاءِ.
وليس بذلك.
الثالث : أنه متعلقٌ بمحذُوفٍ، لأنَّه صفةٌ لـ " قربات ".
قوله :﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ فيها وجهان :
١٨٣


الصفحة التالية
Icon