الذي أسِّسَ على التَّقْوَى ؟ قال : فأخَذَ كفّاً من حَصْبَاءَ فضرب به الأرض ثُمَّ قال :" هُوَ مسجدُكُمْ هذا " لِمسجدِ المدينةِ.
قال : فقُلتُ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ هَكَذَا يَذكره.
وهذا قول سعيد بن المسيّب.
وقال قوم : إنَّهُ مسجد قباء، وهي رواية عطية عن ابن عباس، وهو قول عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة لما روي عن ابن عمر قال : كان النبيُّ ﷺ يأتي مسجد قباء كلَّ سبتٍ ماشياً وراكباً، وكان عبدُ الله يفعله، وزاد نافع عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ " فيُصلِّي فيه رَكعتَيْنِ ".
وقوله :﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ أي : من الأحداث والجنابات والنجاسات.
قال عطاءٌ : كانوا يستنجون بالماءِ، ولا ينامون الليل على جنابة.
روى أبو هريرة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : نزلت هذه الآيةُ في أهل قُباء ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ قال : كانوا يستنجون بالماءِ ؛ فنزلت فيهم هذه الآية، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وروي أنَّ النبي ﷺ وقف على باب مسجد قباء وقال :" يا معْشَر الأنْصَارِ إنَّ الله أثْنَى عليكُم، فما الذي تصْنَعُونَ فِي الوضُوءِ ؟ " فقالوا : نتبع الأحجار بالماءِ، فقرأ النبيُّ ﷺ ﴿رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ الآية.
" قالوا : المرادُ منه : الطهارة بالماء بعد الحجر.
وقيل : المرادُ منه : الطَّهارة من الذنوب والمعاصي.
وقيل : محمول على الأمرين.
فإن قيل : لفظ الطَّهارة حقيقة في إزالة النَّجاسات، ومجاز في البراءة عن المعاصي،
٢١٠
واستعمال اللفظ الواحدة في الحقيقة، والمجاز معاً لا يجوزُ.
فالجوابُ : أنَّ لفظ النَّجس اسم للمستقذر، وهذا القذرُ مفهوم مشترك فيه بين القسمين، فزال السُّؤال.
قوله :﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾.
قرأ نافع، وابن عامر " أسِّسَ " مبنياً للمفعول، " بُنيانُه " بالرفع، لقيامه مقام الفاعل.
والباقون " أسَّسَ " مبنياً للفاعل، " بُنيانَهُ " مفعول به، والفاعل ضمير " مَنْ " وقرأ عمارة بن عائذ الأوَّل مبنياً للمفعول، والثاني مبنياً للفاعل، و " بُنْيَانهُ " مرفوع على الأولى ومنصوب على الثانية لما تقدَّم.
وقرأ نصر بن علي، ونصر بن عاصم " أسسُ بُنيانِهِ ".
وقرأ أبُو حيوة " أساسُ بُنيانِهِ " جمع " أُسِّ ".
وروي عن نصر بن عاصم أيضاً " أَسُّ " بهمزة مفتوحة وسين مضمومة.
وقرىء " إسَاسُ " بالكسر، وهي جموع أضيفت إلى " البُنيانِ ".
وقرىء " أسَاسُ " بفتح الهمزة و " أسّ " بضم الهمزة وتشديد السين، وهما مفردان أضيفا إلى البنيان.
ونقل صاحبُ اللوامح فيه " أسَسُ " بالتخفيف ورفع السين، " بنيانِهِ " بالجر، فـ " أسس " مصدر أسس الحائط، يؤسسُه أسَساً، وأسًّا.
فهذه عشر قراءات، والأسُّ والأسَاسُ القاعدةُ التي يبنى عليها الشيءُ.
ويقالُ : كان ذلك على أس الدهر، كقولهم : على وجه الدهر.
ويقال : أسَّ، مضعفاً : أي : جعل له أسَاساً، وآسَسَ، بزنة " فاعل ".
و " البُنْيَان " فيه قولان : أحدهما : أنَّهُ مصدر، كـ : الغُفْران، والشُّكران، وأطلق على المفعول كـ " الخَلْق " بمعنى المخلوق، وإطلاق المصدر على المفعول مجاز مفهومٌ، يقالُ : هذا ضربُ الأمير ونسج زيدٍ، أي : مضروبه، ومنسوجه.
والثاني : أنَّهُ جمعٌ، وواحده " بُنْيَانة " ؛ قال الشاعرُ : ٢٨٤٨ - كَبُنْيَانَةِ القَرْيِيِّ موضِعُ رَحْلِهَا
وآثَارُ نِسْعَيْهَا مِنْ الدَّفِّ أبْلَقُ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٢
٢١١