[القصص : ٥٦].
وفي رواية قال رسُولُ الله ﷺ لِعَمِّهِ " قُلْ : لا إله إلاَّ اللهُ أشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القيامةِ "، قال : لَوْلاَ أنْ تُعَيِّرنِي قُريشٌ، يقُولُونَ : إنَّما حملهُ على ذَلِكَ الجَزَعُ لأقْرَرْتُ بها عيْنكَ ؛ فنزل قوله :﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص : ٥٦] الآية.
قال الواحديُّ :" وقد استبعده الحسينُ بنُ الفضلِ ؛ لأنَّ هذه السُّورة من آخر القرآن نزولاً، ووفاة أبي طالب كانت بمكة أول الإسلام ".
قال ابنُ الخطيب " وليس هذا بمُسْتَبعدٍ ؛ فإنَّهُ يمكن أن يقال : إنَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - بقي يستغفر لأبي طالب من ذلك الوقت إلى حين نزول ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص : ٥٦] وروي عن علي بن أبي طالبٍ أنَّه سمع رجُلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، قال : فقلت له : أتستغفر لأبويك وهما مشركان ؟ فقال : أو ليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان ؟ فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فنزلت هذه الآية ".
وفي رواية : فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى قوله ﴿إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة : ٤].
فصل قال القرطبيُّ :" تضمَّنَتْ هذه الآية قطع موالاة الكُفَّارِ حيِّهم وميِّتهم ؛ لأنَّ الله تعالى لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ؛ فطلب الغفران للمشرك لا يجوز، فإن قيل : صحَّ أنَّ النبي ﷺ قال يوم أحد حين كُسِرَتْ رباعيتُه وشُجَّ وجهه :" اللَّهُمَّ اغفر لِقوْمِي فإنَّهُم لا يَعْلمُونَ " فكيف الجمع بين الآية والخبر ؟ فالجوابُ أنَّ ذلك القول من النبيِّ ﷺ كان على سبيل الحكاية عمَّنْ تقدَّمه من الأنبياء، بدليل ما رواه مسلم عن عبد الله قال : كأنِّي أنظرُ إلى النبي ﷺ يَحْكِي نبيّاً من الأنبياءِ ضربهُ قومهُ وهو يمسَحُ الدَّمَ عَنْ وجههِ ويقُولُ " ربِّ اغفرْ لِقوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ " وروى البخاريُّ نحوه وهذا صريح في الحكاية عمَّن قبله ".
قال القرطبيُّ :" لأَنَّهُ قاله ابتداء عن نفسه.
وجواب ثان : أنَّ المراد بالاستغفار في الآية : الصّلاة.
قال عطاءُ بن أبي رباح : الآية في النَّهْي عن الصَّلاةِ على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة.
جواب ثالث : أنَّ الاستغفارَ للأحياءِ جائز ؛ لأنَّهُ مرجو إيمانهم، ويمكن تألفهم بالقول الجميل، وترغيبهم في الدِّين بخلاف الأموات ".
قوله :﴿وَلَوْ كَانُوا ااْ أُوْلِي قُرْبَى ﴾ كقوله :" أعطوا السائل ولو على فرس " وقد تقدَّم أنها حالٌ معطوفةٌ على حال مقدرة.
وقوله :﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة : ١١٣] كالعلَّةِ للمنع من الاستغفار لهم.
٢٢١


الصفحة التالية
Icon