جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٣٦
والنَّادي المجلسُ.
وقال الفرَّاءُ : إنَّه يجمع على " أوْدَاء " كـ " صاحب وأصحاب " ؛ وأنشد لجرير :[الوافر] ٢٨٦٠ - عَرَفتْ بِبُرقَةِ الأوْدَاءِ رَسْماً
مُحِيلاً طَالَ عَهْدُكَ مِنْ رُسُومِ
وزاد الرَّاغبُ في " فاعل وأفْعِلَة " :" نَاجٍ وأنْجِيَة " فقد كمُلَتْ ثلاثةُ ألفاظٍ، في " فاعل وأفْعِلَة ".
ويقالُ : أوداه : أي : أهلكه ؛ كأنهم تصَوَّرُوا منه إسالة الدَّم.
وسمي الدِّية ديةً ؛ لأنَّها في مقابلة إسالة الدَّم.
ومنه " الوَدْيُ " وهو ماءُ الفَحْل عند المداعبة، وما يخرجُ عند البول، و " الوَدِيُّ " بكسر الدال وتشديد الياء : صغار النَّحل.
قوله :" إلاَّ كُتِبَ " هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " ظَمَأ " وما عطف عليه أي : لا يصيبهم ظمأٌ إلا مكتوباً.
وأفرد الضَّمير في " به "، وإن تقدَّمته أشياء، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة، أي : كُتبَ لهم بذلك عملٌ صالحٌ.
قال ابنُ عبَّاسٍ : بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعين ألف حسنةٍ.
وقوله :" إِلاَّ كُتِبَ " كنظيره.
يُحتمل أن يعُود على العمل الصالح المتقدم، وأن يعود على أحد المصدرين المفهومين من " يُنفقُونَ " و " يقْطَعُونَ "، أي : إلاَّ كتب لهم الإنفاق أو القطع.
وقوله :" ليَجْزيهُم " متعلق بـ " كُتِبَ " وقوله :﴿أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فيه وجهان : الأول : أنَّ الأحسن من صفة فعلهم وفيها الواجب والمندوب والمباح، واللهُ تعالى يجزيهم على الأحسنِ، وهو الواجبُ والمندوب دون المباح.
والثاني : أن الأحسن صفةٌ للجزاء، أي : يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأفضل، وهو الثواب.
روى خريم بن فاتك قال : قال رسولُ الله ﷺ " من أنفقَ نفقةً في سبيلِ اللهِ وكتب اللهُ لهُ سبعمائة ضعفٍ ".
قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ الآية.
يمكن أن يقال هذه الآية من بقيَّةِ أحكام الجهادِ، ويمكن أن يقال إنَّهُ كلام مبتدأ لا تعلق لها بالجهادِ.
٢٣٨
أمَّا الأول فنقل عن ابن عبَّاسٍ أنَّه عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج إلى الجهاد لم يتخلَّف عنه إلاَّ منافق أو صاحب علة.
فلمَّا بالغ الله تعالى في عيوب المنافقين في غزوة تبوك قال المؤمنون : والله لا نتخلَّف عن شيء من الغزوات مع الرسولِ، ولا عن سرية.
فلمَّا قدم الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - المدينة، وأرسل السَّرايَا إلى الكُفَّار، نفر المسلمون جميعاً إلى الغزو وتركوه وحدهُ بالمدينة ؛ فنزلت هذه الآية.
والمعنى : لا يجُوز للمؤمنين أن ينفروا كلهم إلى الجهاد، بل يجبُ أن يصيروا طائفتين، طائفةٌ تبقى في خدمة الرسول، وطائفة أخرى تنفرُ للجهاد، وذلك لأن الإسلام في ذلك الوقت كان محتاجاً إلى الجهاد، وأيضاً كانت التَّكاليف والشَّرائع تنزلُ، وكان بالمسلمين حاجة إلى من يكون مقيماً بحضرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - يتعلَّم تلك الشرائع والتكاليف، ويبلغها للغائبين، وبهذا الطريق يتمُّ أمرُ الدِّين، وعلى هذا القول ففيه احتمالان : أحدهما : أن تكون الطَّائفة المقيمة هم الذين يتفقَّهُونَ في الدِّين لملازمتهم الرسول - عليه الصلاة والسلام -، ومشاهدتهم التنزيل ؛ فكُلما نزل تكليفٌ وشرع ؛ عرفوه وحفظوه، فإذا رجعت الطائفةُ النَّافرة من الغزو ؛ أنذرتهم المقيمة ما تعلموه من التَّكاليف والشرائع، وعلى هذا فلا بد من إضمار، والتقدير : فلولا نفر من كلِّ فرقة منهم طائفة وأقامت طائفة لتفقه المسلمين في الدين، ولينذروا قومهم، يعني النافرين إلى الغزو إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون معاصي الله تعالى.
والاحتمال الثاني : أنَّ التفقهة صفة للطائفة النافرة قاله الحسنُ.
والمعنى : فلولا نفر من كُلِّ فرقة منهم طائفة حتى تصير هذه الطائفة النافرة فقهاء في الدين، أي : أنهم إذا شاهدوا ظهور المسلمين على المشركين، وأنَّ العدد القليل منهم يغلبون العالم من المشركين ؛ فيتبصروا ويعلموا أن ذلك بسبب أنَّ الله تعالى خصهم إلى قومهم من الكُفَّار أنذروهم بما شاهدوا من دلائل النصر، والفتح، والظفر، لعلهم يحذرون ؛ فيتركوا الكفر والنفاق.
وأما الثاني : وهو أن هذا حكم مبتدأ ؛ فتقريره أنَّ الله تعالى، لمَّا بيَّن في هذه السورة أمر الهجرة، ثم أمر الجهاد، وهما عبادتان بالسَّفر، بيَّن أيضاً عبادة التفقه من جهة الرَّسُول وله تعلق بالسفر، فقال :﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ إلى حضرة الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - ليتفقهوا في الدِّين، بل ذلك غيرُ واجب، وليس حاله كحال الجهادِ مع الرسول الذي يجبُ أن يخرج فيه كل من لا عُذْرَ لهُ.
ثم قال :﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ﴾ يعني من الفرق الساكنين في البلاد، طائفة
٢٣٩