فعلهُ على وزن " أفْعَل "، وإنما هو على وزن " فَعِل " نحو : سَوِد فهو أسْود، ولم يمتنع التَّعجُّب، ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين من نحو : سَوِدَ، وحَمِرَ، وأدِمَ، إلاَّ لكونه لوناًن وقد أجاز ذلك بعضُ الكوفيين في الألوان مطلقاً، وبعضهم في السَّواد والبياض فقط ".
قال شهاب الدِّين : تنظيره به ليس بفاسدٍ ؛ لأنَّ مراده بناءُ أفعل ممَّا زاد على ثلاثة أحرُف، وإن لم يكن على وزن " أفْعَل "، و " سَوِد " وإن كان على ثلاثةٍ، لكنه في معنى الزَّائد على ثلاثة، إذ هو في معنى " أسْوَد "، و " حَمِرَ " في معنى أحْمَر ؛ نصَّ على ذلك النحويُّون، وجعلوه هو العلَّة المانعة من التعجُّب في الألوان.
و " مَكْراً " نصبٌ على التَّمييز، وهو واجبُ النَّصب ؛ لأنَّكَ لو صُغْتَ من " أفْعَل " فعلاً، وأسندته إلى تمييزه فاعلاً، لصحَّ أن يقال :" سَرُع مَكْرُه "، وأيضاً فإنَّ شرط جواز الخفضِ، صِدْقُ التمييز على موصوفِ أفعل التَّفضيل، نحو :" زيدٌ أحسنُ فقيهٍ "، ومعنى " أسْرَعُ مَكْراً " : أعجل عُقُوبة، وأشدُّ أخذاً، وأقدر على الجزاء، أي : عذابه أسرع إليكم ممَّا يأتي منكم في دفع الحقِّ.
قوله :﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ قرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد، والأعرج، ويعقوب، ونافع - رضي الله عنهم - في رواية :" يَمْكُرُوْنَ " بياء الغيبة جرياً على ما سبق، والباقون بالخطاب : مبالغة في الإعلام بمكرهم، والتفاتاً لقوله :" قُلِ اللهُ " ؛ إذ التقدير : قُلْ لهُمْ، فناسب الخطاب، وقوله :" إنَّ رُسُلنَا " التفاتٌ أيضاً، إذ لو جرى على قوله :" قُلِ اللهُ "، لقيل : إنَّ رسله، والمراد بالرُّسل : الحفظة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٨٨
قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الآية.
لمَّا ذكر في الآيةِ الأولى، مجيء الرَّحمة بعد الضرِّ، أو الرَّخاء بعد الشدَّة، ذكر في هذه الآية مثالاً لذلك، وبياناً لنقل الإنسان من الضرِّ إلى الرحمة، وذلك أنَّ الإنسان إذا ركب السَّفينة، ووجد الرِّيح الطيبة الموافقة لمقصوده، حصل له المسرَّة القويَّة، والنَّفْع التَّام، ثم قد تظهرُ علامات الهلاك ؛ بأنْ تجيئهم الرِّياح العاصفة، أو تأتيهم الأمواج
٢٩٠
العظيمة من كل جانبٍ، أو يغلب على ظنونهم أنَّ الهلاكَ واقعٌ بالانتقال من تلك الأحوال الطيِّبة، إلى هذه الأحوال الشديدة، فوجب الخوفُ العظيمُ، والإنسان في هذه الحالة، لا يطمعُ إلا في فضْلِ الله - سبحانه وتعالى -، ويقطع طعمهُ عن جيمع الخلق، ويصير بجميع أجزائه مُتضرِّعاً إلى الله - تعالى -، ثُمَّ إذا نجَّاهُ الله - تعالى - من هذه البليَّة العظيمة، نسي النِّعمة، ورجع إلى ما ألفهُ من العقائد الباطلةِ.
قوله :" يَنْشُركم " قراءةُ ابن عامر من النَّشْرِ ضدَّ الطيّ، والمعنى : يُفَرِّقكم ويَبُثُّكُم، وقرأ الحسن :" يَنْشِركُم " من " أنْشَر "، أي : أحْيَا، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضاً، وقرأ بعضُ الشَّاميين :" يُنَشِّركم " بالتشديد ؛ للتَّكثير من النَّشْر الذي هو مطاوع الانتشار، وقرأ الباقون :" يُسَيِّركُم " من التَّسْييرِ، والتَّضعيفُ فيه للتعدية، تقول : سَارَ الرَّجُل، وسيَّرْتُهُ أنَا.
وقال الفارسيُّ :" هو تَضْعيفُ مُبَالغةٍ لا تضعيفُ تعديةٍ ؛ لأنَّ العرب تقول : سِرْتُ الرَّجُلَ وسيَّرته ".
ومنه قول الهُذليِّ :[الطويل] ٢٨٨٢ - فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنْتَ سِرْتَهَا
فأوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٠
وهذا الذي قالهُ أبو علي غير ظاهر ؛ لأنَّ الأكثر في لسان العرب، أنَّ " سار " قاصرٌ، فجعلُ المضعف مأخوذاً من الكثير أولى.
وقال ابن عطيَّة :" وَعَلى هذا البيت اعتراضٌ، حتَّى لا يكون شاهداً في هذا ؛ وهو أن يكون الضَّمير كالظرف كما تقول : سِرْتُ الطريق ".
قال أبو حيَّان :" وأمَّا جعلُ ابن عطيَّة الضَّميرَ كالظَّرفِ كما تقول : سِرْتُ الطَّريقَ.
فهذا لا يجوزُ عند الجمهور ؛ لأنَّ " الطَّريق " عندهم ظرفٌ مختصٌّ كالدَّار، فلا يصلُ إليها الفعلُ غير " دَخَلتُ " عند سيبويه، و " انطلقتُ " و " ذَهَبْتُ " عند الفرَّاء - إلاَّ بوساطة " في "، إلاَّ في ضرورة، وإن كان كذلك فضميرهُ أحرى أن لا يتعدَّى إليه الفعل ".
وزعم ابنُ الطَّراوةِ أنَّ " الطَّريقَ " ظرفٌ غيرُ مختصٍّ، فيصلُ إليه الفعلُ بنفسه، وأباهُ النُّحَاة ".
قوله :" حَتَّى إِذَا " " حتَّى " متعلقةٌ بـ " يُسَيِّركم "، وقد تقدَّم الكلامُ على " حتَّى " هذه
٢٩١