عطيَّة لأبي عثمان النَّهْدي، وقرىء :" وازَّايَنَتْ "، والأصلُ : تزاينت، فأدغم.
وقوله :" أهْلُهَا " أي : أهل نباتها.
و " أتَاهَا " : هو جوابُ " إذَا "، فهو العاملُ فيها.
وقيل : الضَّميرُ عائدٌ على الزِّينة.
وقيل : على الغَلَّةِ، أي : القُوت فلا حذفَ حينئذٍ، و " لَيْلاً ونَهَاراً " ظرفان ؛ للإتيان، أو للأمر، والجعل هنا تصْييرٌ، وحصيد : فَعِيل بمعنى : مفعول، ولذلك لم يؤنث بالتاء، وإن كان عبارة عن مُؤنَّث، كقوله : أمْرَأة جريحٌ.
قوله :" كَأَن لَّمْ تَغْنَ " هذه الجملة يجُوزُ أن تكون حالاً من مفعول " جَعَلْنَاها " الأوَّل، وأن تكون مستأنفةٌ جواباً لسُؤالٍ مقدَّرٍ، وقرأ هارون بن الحكم " تتغَنَّ "، بتاءين بنزنة تتفعَّل ؛ كقول الأعشى :[المتقارب] ٢٨٨٧ -........................
طَويلَ الثَّواءِ طويلَ التَّغَنْ
وهو بمعنى : الإقامة، وقد تقدَّم في الأعراف، وقرأ الحسن، وقتادة :" كأنْ لم يَغْنَ " بياء الغيبة، وفي هذا الضمير ثلاثة أوجه : أجودها : أن يعود على الحصيد ؛ لأنَّه أقرب مذكور.
وقيل : يعودُ على الزخرف، أي : كأن لم يَقُم الزُّخْرُف.
وقيل : يعودُ على النَّبات أو الزَّرع الذي قدَّرته مضافاً، أي : كأن لم يَغْنَ زَرْعُها ونَبَاتُهَا.
و " بالأمْسِ " : المرادُ به : الزَّمن الماضي، لا اليوم الذي قبل يومك ؛ كقول زهير :[الطويل] ٢٨٨٨ - وأعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمْسِ قبلهُ
ولكنَّنِي عَنْ عِلْمِ ما فِي غَدٍ عَمِ
لمْ يقْصِدْ بها حقائقها، والفرقُ بين الأمسيْن : أنَّ الذي يُرَاد به قبل يومك مبنيٌّ ؛ لتضمُّنه معنى الألف واللاَّم، وهذا مُعْرَبٌ تدخل عليه " ألْ " ويضافُ، وقوله :" كَذلِكَ نُفَصِّلُ " نعت مصدرٍ محذُوف، أي : مثل هذا التَّفصيل الذي فصَّلناه في الماضي، نُفَصِّل في المستقبل.
٣٠١
فصل معنى الآية :﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ في فنائها، وزوالها ﴿كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ﴾ أي : بالمطر ﴿نَبَاتُ الأَرْضِ﴾ قال ابن عباسٍ : نبت بالماءِ من كل لون ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ : من الحُبُوبِ والثِّمار، " وَالأَنْعَامُ " من الحشيش ﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ : حسنها، وبهجتها، وظهر الزهْرُ أخضرُ، وأحمرُ، وأصفرُ، وأبيضُ، " وَازَّيَّنَتْ " شبهها بالعروس، إذا لبست الثياب الفاخرة من كل لون ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ﴾ على جذاذها وقطافها وحصادها، ردَّ الكناية إلى الأرض، والمراد : النبات إذ كان مفهوماً، وقيل : إلى الغلَّة، وقيل : إلى الزِّينَة " أَتَاهَآ أَمْرُنَا " : قضاؤنا بالهلاك ﴿لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً﴾ أي : محصودة مقطوعة، وقال أبو عبيدة :" الحصيد : المستأصل "، ﴿كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾ من غني بالمكان : إذا أقام به.
قال الليث " يقال للشيء إذا فني : كأن لم يَغنَ بالأمْسِ، أي : كأنْ لمْ يَكُنْ ".

فصل اعلم : أن تشبيهَ الحياة الدنيا بالنبات يحتملُ وجوهاً، لخَّصها القاضي.


أحدها : أنَّ عاقبةَ هذه الحياة التي يُنفقُهَا المرء في هذه الدنيا، كعاقبة هذا النَّبات، الذي حين عظُم الرَّجَاء في الانتفاع به، وقع اليأس منه ؛ لأنَّ المُتَمسِّك بالدنيا، إذا عظمت رغبتُه فيها، يأتيه الموت، وهو معنى قوله :﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوا ااْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ [الأنعام : ٤٤].
وثانيها : أنَّه - تعالى - بيَّن أنَّه كما لم يحصل لذلك الزَّرْع عاقبةٌ تُحْمد، فكذلك المُغترُّ بالدُّنْيَا المُحبُّ لها، لا يحصل له عاقبة تحمد.
وثالثها : أنَّ هذا التشبيه، كقوله - تعالى - :﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾ [الفرقان : ٢٣] أي : لمَّا صار سعي هذا الزَّرع باطلاً، بسببِ حدوث المهلك، فكذلك سعي المغترَّ بالدُّنْيَا.
ورابعها : أنَّ مالكَ هذا البستان لمَّا أتْعَبَ نفسه في عمارته، وكذلك الرُّوحَ، وعلَّق قلبه بالانتفاع به، فإذا حدث السببُ المهلكُ، صار العناءُ الشديد، الذي تحملُه في الماضي، سبباً لحصول الشقاء الشَّديد لهُ في المستقبل، وهو ما يحصُل في قلبه من الحشرات.
فكذلك حالُ من أحبَّ الدنيا، وأتعب نفسه في تحصيلها، فإذا مات، وفاتهُ كلُّ ما نال، صار العناء الذي تحمَّله في تحصيل الدنيا، سبباً لحُصُول الشقاء العظيم له في الآخرة.
٣٠٢


الصفحة التالية
Icon