كون هذه الجملة خبر الموصول يكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بجملتي اعتراضٍ، وفي ذلك خلافٌ عن الفارسيِّ تقدَّم التنبيهُ عليه، وما استدلَّ به عليه.
السادس : أنَّ الخبر هو الجملةُ التشبيهيَّة، من قوله :﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ﴾، و " كأنَّما " حرف مكفوف، و " مَا " هذه زائدة، تُسمَّى كافَّة ومُهيئة، وتقدَّم ذلك [البقرة : ١١].
وعلى هذا الوجه، فيكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بثلاث جمل اعتراضٍ.
السابع : أنَّ الخبر هو الجملة من قوله :﴿أُوْلَـائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾، وعلى هذا القول، فيكون قد فصل بأربع جمل معترضة.
وهي :﴿جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾.
والثانية :﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾.
والثالثة :﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾.
الرابعة :﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ﴾، وينبغي أن لا يجُوزَ الفصل بثلاث جُمل فضلاً عن أربع.
قوله :" وَتَرْهَقُهمْ " فيها وجهان : أحدهما : أنَّها في محلِّ نصب على الحال، ولم يُبيِّنْ أبو البقاء صاحبها، وصاحبها هو الموصولُ أو ضميره، وفيه ضعفٌ ؛ لمباشرته الواو، إلاَّ أنْ يجعل خبر مبتدأ محذوف.
الثاني : أنَّها معطوفةٌ على " كَسَبُوا ".
قال أبو البقاء : وهو ضعيفٌ ؛ لأنَّ المستقبل لا يعطفُ على الماضي، فإن قيل : هو بمعنى الماضي فضعيفٌ جداً، وقرىء :" ويرْهَقُهمْ " بالياء من تحت ؛ لأنَّ تأنيثها مجازيٌّ.
قوله :" قطعاً " قرأ ابنُ كثير، والكسائي، " قِطْعاً " بسكون الطاء، والباقون بفتحها :" فأمَّا القراءة الأولى فاختلفت عبارات النَّاس فيها : فقال أهل اللغة :" القِطْع " : ظُلْمَة آخر الليل.
وقال الأخفش في قوله :﴿بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ﴾ [الحجر : ٦٥] بسواد من الليل، وقال بعضهم :" طائف من الليل "، وأنشد الأخفش : ٢٨٩٥ب - افتحي الباب فانظري في النجومِ
كم علينا من قطعِ ليلٍ بهيم
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٠٤
وأمَّا قراءةُ الباقين فجمعُ " قطعة " نحو : دِمْنة ودِمَن، وكِسْرة وكِسَر وعلى القراءتين يختلف إعراب " مظلماً "، فإنه على قراءة الكسائي وابن كثير يجوز أن يكون نعتاً لـ
٣١١
" قِطْعاً "، ووصف بذلك مبالغة في وصف وجوههم بالسواد، ويجوز أن يكون حالاً ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حالٌ من " قِطْعاً "، ووصف بذلك مبالغة في وصف وجوههم بالسواد، ويجوز أن يكون حالاً ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حالٌ من " قِطْعاً "، وجاز ذلك لتخصُّصه بالوصف بالجارِّ بعده وهو " من الليل ".
والثاني : أنه حالٌ من " الليل ".
والثالث : أنه حالٌ من الضمير المستتر في الجارِّ لوقوعه صفة.
قال الزمخشري : فإن قلت : إذا جعلت " مظلماً " حالاً من " الليل " فما العاملُ فيه ؟ قلت : لا يخلو : إما أن يكون " أغْشِيَتْ " من قبل أنَّ " من الليل " صفةٌ لقوله :" قِطْعاً "، وكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة، وإما أن يكون معنى الفعل في " من الليل ".
قال أبو حيان :" أمَّا الوجه الأول فهو بعيدٌ لأنَّ الأصل أن يكون العاملُ في الحال هو العامل في ذي الحال، والعاملُ في " من الليل " هو الاستقرار، و " أغْشِيَتْ " عاملٌ في قوله :" قطعاً " الموصوف بقوله :" من الليل " فاختلفا، فلذلك كان الوجهُ الأخير أولى، أي : قطعاً مستقرة من الليل، أو كائنة من الليل في حال إظلامه ".
وقال شهاب الدِّين : ولا يعني الزمخشري بقوله :" إنَّ العامل أغْشِيَتْ "، إلاَّ أن الموصوف، وهو " قِطْعاً " معمول لـ " أغْشِيَتْ "، والعامل في الموصوف هو عاملٌ في الصِّفة.
قال شهاب الدين : والصِّفةُ هي " مِنَ الليل " فهي معمولةٌ لـ " أغْشِيَتْ "، وهي صاحبةُ الحال، والعامل في الحالِ هو العاملُ في ذي الحال، فجاء من ذلك أنَّ العامل في احال هو العاملُ في صاحبها بهذه الطريقة، ويجوز أن يكون " قِطْعاً " : جمع قِطْعَة، أي : اسم جنسٍ لها، فيجُوزُ حينئذٍ وصفُه بالتَّذكير، نحو :﴿نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ [القمر : ٢٠]، والتأنيث، نحو :﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٧].
وأمَّا قراءة الباقين، فقال مكِّي، وغيره : إنَّ " مظلماً " حالٌ من " اللَّيْلِ " فقط، ولا يجوز أن يكون صفة لـ " قِطعاً "، ولا حالاً منه، ولا من الضمير في " مِنَ اللَّيل " ؛ لأنَّه كان يجبُ أن يقال فيه : مظلمةٌ، يعنُون : أنَّ الموصوف حينئذ جمعٌ، وكذا صاحب الحال، فتجب المطابقةُ.
وأجاز بعضهم ما منعهُ هؤلاء، وقالوا : جَازَ ذلك ؛ لأنَّه في معنى الكثير، وهذا فيه تعسُّفٌ.
وقرأ أبيٌّ " يَغْشَى وجوههم قطع " بالرفع، و " مُظْلمٌ "، وقرأ ابن أبي عبلة كذلك، إلاَّ أنَّه فتح الطَّاء.
وإذا جعلتَ " مُظْلماً "، نعتاً لـ " قِطْعاً "، فتكون قد قدَّمتَ النَّعْتَ غير الصَّريح على الصَّريح.
٣١٢


الصفحة التالية
Icon