أي : يتبعه ويتطلَّبه، ويجوز أن يكون من التلاوة المتعارفة، أي : تقرأ كلُّ نفس ما عملته مسطَّراً في صحف الحفظة، لقوله - تعالى - :﴿يا وَيْلَتَنَا مَا لِهَـاذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [الكهف : ٤٩]، وقوله :﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ [الإسراء : ١٣].
وقرأ الباقون :" تَبْلُوا " من البلاء، وهو الاختبار، أي : يعرف عملها : أخيرٌ هو أم شر، وقرأ عاصم في رواية " نَبلو " بالنُّون والباء الموحَّدة، أي : نَخْتَبر نحنُ، و " كُلَّ " منصُوب على المفعول به، وقوله " مَا أسْلفَتْ " على هذا القراءة يحتمل أن يكون في محلِّ نصبٍ، على إسقاطِ الخافض، أي : بما أسْلفَتْ، فلمَّا سقط الخافض، انتصب مَجْرُوره ؛ كقوله :[الوافر] ٢٩٠١ - تَمُرُّونَ الدِّيارَ فَلَمْ تَعُوجُوا
كلامُكُمُ عليَّ إذنْ حَرَامُ
ويحتمل أن يكون منصوباً على البدل من " كُلُّ نَفْسٍ " ويكون من بدل الاشتمال.
ويجُوزُ أن يكون " نَبْلُو " من البلاء، وهو العذاب.
أي : نُعَذبها بسبب ما أسلفت، و " مَا " يجوز أن تكون موصولةً اسمية، أو حرفية، أو نكرة موصوفة، والعائدُ محذوفٌ على التقدير الأول، والآخر دون الثاني على المَشْهُور.
٣١٨
وقرأ ابنُ وثَّاب :" وَرِدُّوا " بكسر الرَّاء، تشبيهاً للعين المضعفة بالمعتلَّة، نحو :" قيل " و " بيع "، ومثله :[الطويل] ٢٩٠٢ - ومَا حِلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبَا حُلمائِنَا
................................
بكسر الحاء، وقد تقدَّم بيانُ ذلك [البقرة : ١١].
قوله :" إِلَى اللَّهِ " لا بُدَّ من مضاف، أي : إلى جزاءِ الله، أو موقف جزائه.
والجمهور على " الحقِّ " جرًّا، وقرئ منصوباً على أحد وجهين : إمَّا القطع، وأصله أنَّه تابعٌ، فقطع بإضمار " أمدح "، كقولهم : الحمدُ لله أهل الحمد.
وإمَّا أنَّه مصدرٌ مؤكِّدٌ لمضمونِ الجملة المتقدمة، وهو " رُدُّوا إلى الله " وإليه نحا الزمخشريُّ.
قال : كقولك :" هذا عبدُ الله الحَقُّ، لا الباطل " على التَّأكيد ؛ لقوله :" رُدُّوا إلى اللهِ ".
وقال مكِّي :" ويجوزُ نصبهُ على المصدر، ولم يُقرأ به "، وكأنَّه لم يطلع على هذه القراءة، وقوله :" مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ " " مَا " تحتمل الأوجُه الثلاثة.
المعنى :" هُنالِكَ " : في ذلك الوقت، " نَبْلُو " أي : نختبر، والمعنى : يفعلُ بها فعل المختبر، وعلى القراءة الأخرى : أنَّ كلَّ نفس نختبر أعمالها، في ذلك الوقت.
﴿وَرُدُّوا ااْ إِلَى اللَّهِ﴾ أي : رُدُّوا إلى جزاءِ الله، قال ابن عبَّاسٍ :" مولاهُمُ الحقّ " أي : الذي يجازيهم بالحق، وقيل : جعلوا ملجئين إلى الإقرار بإلاهيته، ﴿مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام : ٦٢] في الأنعام.
" وضلَّ عَنْهُم " : زال وبطل، " مَّا كانُوا يفْتَرون " أي : يعبدون، ويعتقدُون أنهم شفعاء، فإن قيل : قد قال :﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد : ١١]، قيل : المولى هناك هو الناصر، وههنا بمعنى الملك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
قوله تعالى :﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾ الآية.
لمَّا ذكر فضائح عبدة الأوثان، أتبعها بذكر الدَّلائل الدَّالَّة على فسادِ هذا المذهب : وهي أحوال الرزق، وأحوال الحواس، وأحوال الموْتِ والحياة : أمَّا الرزقُ، فإنَّه إنَّما
٣١٩


الصفحة التالية
Icon