لمَّا وصف الكفار بقلة الإصغاء، وترك التدبُّر ؛ أتبعه بالوعيد، فقال :﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾.
" يَوْمَ " منصوب على الظرف، وفي ناصبه أوجه : أحدها : أنَّه منصوبٌ بالفعل الذي تضمَّنه قوله :﴿كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا ااْ﴾.
الثاني : أنَّه منصوبٌ بـ " يتعَارَفُون ".
الثالث : أنَّه منصوبٌ بمقدرٍ، أي : اذكر يوم.
وقرأ الأعمش، وحفص عن عاصم :" يَحْشُرهُم " بياء الغيبة، والضمير لله تعالى لتقدم اسمه في قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ﴾ [يونس : ٤٤].
قوله :﴿كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا ااْ﴾ تقدَّم الكلامُ على " كأن " هذه، وهي المخفَّفة من الثَّقيلة، والتقدير : كأنَّهُم لم يلبثُوا ؛ فخفَّفَ، كقوله : وكأن قد، ولكن اختلفُوا في محلِّ هذه الجملة على أوجه : أحدها : أنها في محلِّ نصبٍ صفةً للظرف، وهو " يوم "، قاله ابن عطية.
قال أبو حيان :" لا يصحُّ ؛ لأن يوم يَحْشُرهُم معرفةٌ والجمل نكرات، ولا تنعتُ المعرفةُ بالنَّكرة، لا يقال : إنَّ الجمل التي يُضاف إليها أسماءُ الزَّمان نكرةٌ على الإطلاق ؛ لأنَّها إنْ كانت في التقدير تنحَلُّ إلى معرفة، فإنَّ ما أضيف إليها يتعرَّفُ، وإن كانت تنحَلُّ إلى نكرة، كان ما أضيف إليها نكرةً، تقول :" مَرَرْتُ في يوم قدم زيدٌ الماضي "، فتصِفُ " يوم " بالمعرفة، و " جئت ليلة قدم زيدٌ المباركة علينا "، وأيضاً : فكأنْ لمْ يلبثُوا، لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأنَّ ذلك من وصف المحشورين، لا من وصف يوم حشرهم.
وقد تكلَّف بعضهم تقدير رابطٍ يربطهُ، فقدره :" كأنْ لَمْ يلبثُوا قبله "، فحذف " قبله "، أي : قبل اليوم، وحذفُ مثل هذا الرَّابط لا يجوز ".
قال شهاب الدِّين : قوله :" بعضهم "، وهو مكِّي بن أبي طالب ؛ فإنَّه قال :" الكافُ وما بعدها من " كأن " صفةٌ لليوم، وفي الكلام حذفُ ضميرٍ يعودُ على الموصوفِ، تقديره : كأْ لم يَلْبثُوا قبله ؛ فحذف " قبله "، فصارت الهاءُ متَّصلةً بـ " يَلْبثُوا "، فحذفتْ لطُولِ الاسم كما تحذفُ من الصِّلات "، ونقل هذا التقدير أيضاً : أبو البقاء، ولمْ يُسَمِّ قائله، فقال :" وقيل "، فذكره.
والوجه الثاني : أن تكون الجملةُ في محلِّ نصب على الحال، من مفعول " يَحْشُرهُم " أي : يَحْشُرهم مُشبهين بمن لم يلبث إلاَّ ساعةً، هذا تقديرُ الزمخشري، وممَّن جوَّز أيضاً الحاليَّة : ابنُ عطيَّة، ومكِّيٌّ، وأبو البقاءِ، وجعله بعضهم هو الظَّاهر.
الوجه الثالث : أن تكون الجملةُ نعتاً لمصدر محذوف، والتقدير : يَحْشُرهم حَشْراً،
٣٤١


الصفحة التالية
Icon