والثاني : أن يكون في محلِّ نصبٍ بإضمار قولٍ، أي : قائلين قد خَسِر الذين.
ثُمَّ لكَ في هذا القول المقدَّر وجهان : أحدهما : أنه حالٌ من مفعول " يَحْشُرهُم " أي : يحشرهم قائلين ذلك.
والثاني : أنَّه حالٌ من فاعل " يتعَارفُونَ "، وقد ذهب إلى الاستئناف والحاليَّة من فاعل " يَتَعارفُونَ " : الزمخشريُّ ؛ فإنَّه قال :" هو استئنافٌ فيه معنى التَّعجُّب، كأنَّه قيل :" ما أحْشرهُمْ "، ثم قال :" قَدْ خَسِرَ " على إرادة القولِ، أي : يَتَعَارفُونَ بينهم قائلين ذلك "، وذهب إلى أنَّها حالٌ من مفعُول " يَحْشُرهُم " : ابنُ عطيَّة.
قوله :﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ يجوزُ فيها وجهان : أحدهما : أن تكون معطوفةً على قوله :" قَدْ خَسِرَ "، فيكون حكمه حكمَهُ.
والثاني : أن تكون معطوفةً على صلةِ " الذينَ "، وهي كالتَّوكيد للجملة التي وقعتْ صلةً ؛ لأنَّ من كذَّب بلقاء الله، غيرُ مُهْتَدٍ، والمراد بالخسران : خُسْران النفس ولا شيء أعظم منه.
قوله :﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ تقدَّم الكلامُ على " إِمَّا " هذه [البقرة٣٨]، وقال ابن عطيَّة :" ولأجلها، أي : لأجلِ زيادةِ " ما "، جاز دخولُ النون الثقيلة، ولو كانت " إِنْ " وحدها لم يَجُزْ " أي : إنَّ توكيد الفعل بالنُّونِ مشروطٌ بزيادة " ما " بعد " إنْ "، وهو مخالفٌ لظاهرِ كلام سيبويه، وقد جاء التَّوكيد في الشَّرط بغير " إنْ " ؛ كقوله :[الكامل] ٢٩٠٤ - مَنْ نَثْقَفَنْ مِنهُمْ فليْسَ بآيبٍ
أبَداً وقَتْلُ بَنِي قُتَيبةَ شَافِي
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٤٠
قال ابن خروف : أجاز سيبويه : الإتيان بـ " ما "، وألاَّ يؤتى بها، والإتيانُ بالنون مع " ما "، وألاَّ يؤتى بها، والإراءَةُ هنا بصريَّة ؛ ولذلك تعدَّى الفعلُ إلى اثنينِ بالهمزة، أي : نجعلك رائياً بعض الموعُودين، أو بمعنى : الذي نعدُهم من العذاب، أو نتوفَّيَنَّكَ قبل أن نُريكَ ذلك، فإنَّك ستراه في الآخرة.
قال مجاهد : فكان البعضُ الذي رآه قتلهم ببدر، وسائر أنواع العذاب بعد موته.
قوله :﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ مبتدأ وخبر، وفيه وجهان : أظهرهما : أنَّه جوابٌ للشَّرطِ، وما عُطِفَ عليه، إذ معناه صالحٌ لذلك، وإلى هذا ذهب الحوفيُّ، وابنُ عطيَّة.
والثاني : أنَّهُ جوابٌ لقوله :" أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ "، وجواب الأول محذُوف.
قال الزمخشري :" كأنَّه قيل : وإمَّا نُرينَّكَ بعضَ الذي نعدهُم فذاك، أو نتوفَّينَّك قبل أن نُريك، فنحن نُريك في الآخرة ".
٣٤٤
قال أبو حيَّان :" فجعل الزمخشريُّ في الكلام شرطين لهما جوابان، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف ؛ لأنَّ قوله :﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ صالحٌ لأن يكون جواباً للشَّرطِ، والمعطوف عليه، وأيضاً : فقول الزمخشريّ :" فذاك " هو اسمٌ مفردٌ، لا ينعقدُ منه جوابُ شرطٍ، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يصح منها جواب الشرط، إذ لا يفهمُ من قوله :" فَذَاكَ " الجزء الذي حذف، وهو الذي تحصل به فائدة الإسناد ".
قال شهاب الدِّين :" قد تقرَّر : أنَّ اسم الإشارة قد يُشار به إلى شيئين فأكثر، وهو بلفظِ الإفراد ؛ فكأ، َّ ذاكَ واقعٌ موقع الجملة الواقعة جواباً، ويجُوزُ أن يكون قد حُذف الخبرُ ؛ لدلالةِ المعنى عليه، إذ التَّقديرُ : فذاك المرادُ، أو المتمنَّى، أو نحوه ".
وقوله :" إذْ لا يُفْهم الجزء الذي حذف " إلى آخره، ممنوعٌ، بل هو مفهومٌ كما بينا ؛ وهو شيءٌ يتبادر إلى الذِّهن.
قوله :﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ " ثم " ليست هنا للتَّرتيب الزَّماني، بل هي لترتيب الأخبار، لا لترتيب القصص في أنفسها، قال أبو البقاء :" كقولك : زيدٌ عالمٌ، ثم هو كريم ".
وقال الزمخشريُّ :" فإن قلت : الله شهيدٌ على ما يفعلُون في الدَّاريْن، فما معنى " ثم " ؟.
قلت : ذكرت الشهادة، والمراد : مقتضاها، ونيتجتها، وهو العقاب ؛ كأنَّه قيل : ثم الله معاقبٌ على ما يفعلون ".
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة :" ثَمَّ " بفتح الثاء، جعله ظرفاً لشهادة الله ؛ فيكون " ثَمَّ " منصوباً بـ " شَهِيدٌ " أي : اللهُ شهيدٌ عليهم في ذلك المكان، وهو مكانُ حشرهم، ويجوز أن يكون ظرفاً لِـ " مَرْجعُهم " أي : فإليْنَا مرْجِعُهم، يعني : رجوعهم في ذلك المكانِ، الذي يُثَاب فيه المُحْسِن، ويعاقبُ فيه المُسيء.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٤٠
قوله - تعالى - :﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن حال محمد - عليه الصلاة والسلام - في قومه، بيَّن أنَّ حال كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مع أقوامهم كذلك.
والآية تدلُّ على أنَّ كلَّ جماعة ممَّن تقدَّم، قد بعث الله إليهم رسُولاً، ولم يهمل أمَّة من الأمم ويؤيِّده قوله - تعالى - :﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر : ٢٤].
٣٤٥


الصفحة التالية
Icon