قوله تعالى :﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ الآية.
وتقدير تعلقهما بما قبلها :(أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها).
وقوله :﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوفٌ، تقديره : أفمن كان على هذه الأشياء كغيره، كذا قدَّرهُ أبو البقاءِ، وأحسن منه (أفمن كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها) وحذف المعادل الذي دخلت عليه الهمزة كثيرٌ نحو :﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءَ عَمَلِهِ﴾ [فاطر : ٨]، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ [الزمر : ٩] إلى غير ذلك، وهذا الاستفهام بمعنى التقرير.
الثاني :- وإليه نحا الزمخشري - أن هذا معطوفٌ على شيءٍ محذوفٍ قبله، تقديره :" أمن كان يريد الحياة الدنيا، وزينتها كمن كان على بينةٍ "، أي : لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم.
يريد : أن بين الفريقين تفاوتاً، والمراد من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام، وهذا على قاعدته من تقديره معطوفاً بين همزة الاستفهام، وحرفِ العطفِ، وهو مبتدأ أيضاً، والخبر محذوفٌ كما تقدم تقريره.
قوله :" ويَتْلُوهُ " اختلفوا في هذه الضمائر، أعني في " يَتْلوهُ "، وفي " مِنْهُ "، وفي " قَبْلِهِ " : فقيل : الهاء في " يَتْلُوهُ " تعودُ على " مَنْ "، والمراد به النبيُّ ﷺ، وكذلك الضميران في " مِنْهُ "، و " قَبلهِ "، والمراد بالشَّاهد لسانه ﷺ والتقدير : ويتلو ذلك الذي على بيِّنةٍ، أي : ويتلو محمَّداً - أي : صِدْقَ محمدٍ - لسانه " ومِنْ قَبْلِهِ " أي : قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : الشَّاهدُ جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - والضميرُ في " مِنْهُ " لله - تعالى -، وفي قبله للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل : الشَّاهدُ الإنجيلُ، و " كِتابُ مُوسَى " - عليه الصلاة والسلام - عطف عى " شاهدٌ "، والمعنى : أنَّ التوراة والإنجيل يتلُوان محمداً في التَّصديق، وقد فصل بين حرف العطف والمعطوف بقوله :" مِنْ قَبْلِهِ "، والتقدير : شاهدٌ منهُ، وكتابُ موسى من قبله، وقد تقدَّم الكلامُ على الفصلِ بين حرفِ العطفِ، والمعطوفِ مُشْبَعاً في النِّساءِ [٥٨].
وقيل : الضميرُ في " يتْلوهُ " للقرآن، وفي " مِنْهُ " لمحمدٍ - صلوات الله وسلامه عليه -.
وقيل : لجبريل، والتقدير : ويتلو القرآن شاهدٌ من محمدٍ، وهو لسانهُ، أو من جبريل والهاء في " مِنْ قبلِهِ " أيضاً للقرآن.
وقيل الهاءُ في " يَتْلُوهُ " تعودُ على البيانِ المدلولِ عليه بالبيِّنة.
وقيل : المرادُ بالشَّاهدِ إعجازُ القرآنِ، فالضَّمائر الثلاثة للقرآن.
وقيل غير ذلك.
٤٥٦
وقرأ محمد بن السَّائب الكلبي " كِتابَ مُوسَى " بالنَّصْب وفيه وجهان : أظهرهما : أنَّهُ معطوفٌ على الهاءِ في " يَتْلوهُ "، أي : يتلوه، ويتلو كتابَ مُوسَى، وفصل بالجارِّ بين العاطفِ والمعطوف.
والثاني : أنَّهُ منصوبٌ بإضمار فعلٍ.
قال أبُو البقاء :" وقد تمَّ الكلامُ عند قوله " منهُ " و " كتابُ مُوسَى "، أي :" ويتلُو كتابَ مُوسَى " فقدَّر فعلاً مثل الملفُوظ به، وكأَنَّهُ لَمْ يَرَ الفصل بين العاطف والمعطوف، فلذلك قدَّر فعلاً ".
و " إماماً ورحمةً " منصوبان على الحالِ من " كِتابُ مُوسَى " سواءً أقرىء رفعاً أم نَصْباً.
و " أولئك " إشارةٌ إلى مَنْ كان على بيِّنة، جمع على معناها، وهذا إن أريد بـ " مَنْ كَانَ " النبيُّ وصحابته - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه، ورضي عن صحابته أجمعين - وإن أريد هو وحدهُ فيجوزُ أن يكون عظَّمَهُ بإشارة الجمع كقوله :[الطويل] ٢٩٥٢ - فإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّساءَ سِواكُمُ
.............................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٥٦
والهاءُ في " بِهِ " يجوزُ أن تعود على " كِتَابُ مُوسَى " وهو أقربُ مذكورِ.
وقيل : بالقرآن، وقيل : بمحمد ﷺ، وكذلك الهاء في " بِهِ " الثانية.
و " الأحْزَابُ " الجماعةُ التي فيها غلظةٌ، كأنَّهم لكثرتهم وصفوا بذلك، وفيه وصفُ حمار الوحش بـ " حَزَابِيَة " لغلظه.
والأحزابُ جمع حِزب وهو جماعة النَّاس.
فصل قيل : في الآية حذف، والتقدير :" أفمن كان على بيَّنةٍ من ربِّهِ كمن يريدُ الحياة الدنيا وزينتها "، أو من كان على بيِّنةٍ من ربه كمن هو في الضَّلالةِ.
والمرادُ بالذي هو عليه بيِّنةٍ : النبي - صلوات الله وسلامه عليه -.
﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ أي : يتبعه من يشهد له بصدقه.
واختلفوا في هذا الشَّاهد : فقال ابنُ عبَّاسٍ، وعلقمة، وإبراهيم، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك وأكثرُ المفسِّرين - رضي الله عنهم - : إنَّه جبريل - عليه الصلاة والسلام - وقال الحسنُ وقتادةُ : هو لسانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٤٥٧