يريد بقوله :" اللَّف " أنه لفَّ المؤمنين، والكافرين اللَّذين هما مشبَّهان بقوله :" الفريقين " ولو فسَّرهما لقال : مثلُ الفريق المؤمن كالبصيرِ والسَّميع، ومثلُ الكافر كالأعمى والأصم، وهي عبارةٌ مشهورةٌ في علم البيان : لفظتان متقابلتان، اللَّفُّ والنشرُ، أشار لقول امرىء القيس :[الطويل] ٢٩٦٠ - كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْر رَطْباً ويَابِساً
لَدَى وكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي
أصلُ الكلامِ : كأنَّ الرَّطْبَ من قلوب الطَّيرِ : العُنَّابُ، واليابس منها : الحَشَفُ، فلفَّ ونشر، وللّف والنشر في علم البيان تقسيمٌ كثير، ليس هذا موضعه.
وأشار بقوله :" الصَّابح فالغانم " إلى قوله :[السريع] ٢٩٦١ - يَا وَيْحَ زيَّابةَ لِلْحَارثِ الصْـ
ـصَابِحِ فالغَانمِ فالآيِبِ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٣
وقد تقدَّم ذلك في أول البقرة.
فإن قيل : لِمَ قدّضم تشبيه الكافر على المؤمن ؟ فالجوابُ : لأنَّ المتقدِّمَ ذكر الكفَّار، فلذلك قدَّم تمثيلهم.
فإن قيل : ما الحكمةُ في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير، والأصم والسَّميع، لتتقابل كلُّ لفظةٍ مع ضدها، ويظهر بذلك التَّضادُّ ؟.
فالجوابُ : بأنَّه تعالى لمَّا ذكر انسدادَ العين أتبعهُ بانسدادِ الأذن، ولمَّا ذكر انفتاح العين أتبعهُ بانفتاح الأذن، وهذا التَّشبيهُ أحدُ الأقسام، وهو تشبيهُ أمْرٍ معقول بأمر
٤٦٤
محسوس، وذلك أنَّهُ شبَّه عمى البصيرة وصممها بعمى البصرِ وصمم السَّمع، ذاك متردِّدٌ في ظُلمِ الضَّلالات، كما أنَّ هذا مُتحير في الطُّرقاتِ.
قوله : مَثَلاً " تمييز، وهو منقولٌ من الفاعليَّة، والأصلُ : هل يستوي مثلهما، كقوله تعالى ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ [مريم : ٤] وجوَّز ابنُ عطية أن يكون حالاً، وفيه بعدٌ صناعةً ومعنى ؛ لأنَّه على معنى " مِنْ " لا على معنى " في ".
ثم قال :﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ مُنَبِّهاً على أنَّهُ يمكنه علاج هذا العمى وهذا الصَّمَم، وإذا كان العلاجُ مُمْكناً، وجب على العاقل أن يسعى في ذلك العلاج بقدر الإمكان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٣
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ الآية.
اعلم أنَّه جرت عادته - تعالى - في القرآن بأنَّهُ إذا أورد على الكافر الدَّلائل أتبعها بالقصص ليُؤكِّد تلك الدَّلائل، وقد بدأ بذكر هذه القصَّة ليُؤكِّد تلك الدَّلائل، وقد بدأ بذكر هذه القصَّة في سورة يونس، وأعادها ههنا لما فيها من زوائد الفوائد.
قوله ﴿إِنَّي لَكُمْ﴾ قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح همزة " إني "، والباقون بكسرها.
٤٦٥


الصفحة التالية
Icon