٤٦٧صريحة مكان الهمزة.
فأما الهمزُ فمعناه : أول الرَّأي، أي : أنَّه صادرٌ عن غير رويَّةٍ وتأمُّل، بل من أولِ وهلةٍ.
وأمَّا مَنْ لَمْ يهمز ؛ فيحتمل أن يكون أصلُه كما تقدَّم، ويحتملُ أن يكون من بدا يبدُو أي ظَهَر، والمعنى : ظاهر الرَّأي دون باطنه، أيك لوْ تُؤمِّل لعُرِفَ باطنه، وهو في المعنى كالأولِ.
وفي انتصابه على كلتا القراءتين سبعةُ أوجهٍ : أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرفِ وفي العامل فيه على هذا ثلاثة أوجه : أحدها :" نَرَاكَ "، أي : وما نَراكَ في أول رأينا، على قراءة أبي عمرو، أو فيما يظْهَر لنا من الرأي في قراءة الباقين.
والثاني - من الأوجه الثلاثة - : أن يكون منصوباً بـ " اتَّبَعَكَ "، أي : ما نَرَاكَ اتَّبعَكَ أول رأيهم، أو ظاهر رأيهم، وهذا يحتمل معنيين : أحدهما : أن يريدوا اتبعوك في ظاهر أمرهم، وبواطنهم ليست معك.
والثاني : أنَّهُم اتَّبعُوكَ بأول نظرٍ، وبالرَّأي البَادِي دُونَ تَثَبُّت، ولو تثبتُوا لما اتَّبَعُوك.
الثالث - من الأوجه الثلاثة - أنَّ العامل فيه " أرَاذِلُنَا " والمعنى : أراذِلُنَا بأولِ نظرٍ منهم أو بظاهر الرَّأي نعلم ذلك، أي : إنَّ رزالتهم مكشوفةٌ ظاهرةٌ لكونهم أصحاب حرفٍ دنيَّة.
والرَّأي على هذا من رأي العين لا من رأي القلب، ويتأكَّدُ هذا بما نُقل عن مجاهد أنَّهُ قرأ " إلاَّ الذينَ هُمْ أرَاذِلُنَا بادِيَ رَأي العَيْنِ ".
ثم القائل بكون " بَادِيَ " ظرفاً يحتاج إلى اعتذار، فإنَّهُ اسمُ فاعلٍ وليس بظرفٍ في الأصلِ، قال مكيّ : وإنَّما جاز أن يكون فاعل ظرفاً كما جاز ذلك في " فَعِيل " نحو : قَرِيب ومليء، و " فاعل وفعيل " متعاقبان كـ : رَاحِم ورَحِيم، وعَالِم وعَلِيم، وحسُن ذلك في " فَاعِل " لإضافته إلى الرأي، والرأي يضاف إليه المصدر، وينتصبُ المصدرُ معه على الظَّرْفِ نحو :" أمَّا جَهْدُ رأي فإنَّك منطلقٌ " أي :" في جَهْد ".
قال الزمخشريُّ : وانتصابه على الظَّرف، أصله : وقْتَ حُدُوثِ أوَّلِ أمرهم، أو وقتَ حدوثِ ظاهرِ رأيهم، فحذفَ ذلك وأقم المضافُ إليه مقامه.
الوجه الثاني - من السَّبعة - : أن لا ينتصب على المفعول به، حذف معه حرفُ الجر مثل :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف : ١٥٥].
وفيه نظرٌ من حيث إنَّه ليس هنا فعلٌ صالحٌ للتعدِّي إلى اثنين، إلى ثانيهما بإسقاط الخافضِ.
٤٦٨


الصفحة التالية
Icon