أسألكم على تبليغ الرسالة أجْراً، ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء : ١٠٩].
قوله :﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ﴾ قرىء " بطَاردٍ الذينَ " بتنوين " طارد ".
قال الزمخشري : على الأصل يعنى أنَّ أصل اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال العملُ وهو ظاهرُ قول سيبويه.
قال أبُو حيَّان : يُمكن أن يقال : ألأصل الإضافةُ لا العَمَلُ، لأنَّهُ قد اعتورهُ شَبَهَان : أحدهما : الشبه بالمضارع وهو شبهٌ بغير جنسه.
والآخر : شبههُ بالأسماءِ إذا كانت فيه الإضافةُ ؛ فكان إلحاقه بجنسه أولى.
وقوله :﴿إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ استئنافٌ يفيدُ التَّعليل، وقوله :" تَجْهَلُون " صفةٌ لا بُدَّ منها إذ الإتيانُ بهذا الموصوفِ دون صفته لا يفيدُ، وأتى بها فعلاً ليدلَّ على التَّجدُّد كلَّ وقتٍ.
فصل قوله :﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ااْ﴾ كالدَّليل على أنَّ القوم سألوه لئلاَّ يشاركوا الفقراءَ، فقال ﷺ :" ومَا أنَا بطارِدِ الذين آمنُوا "، وأيضاً قولهم ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ كالدَّليل على أنَّهم طلبوا منه طردهم ؛ فكأنَّهم يقولون لو اتَّبَعَك الأشراف لوافقناهم.
ثمَّ ذكر ما يوجب الامتناع من طردهم، وهو أنَّهم ملاقُو ربِّهم، وهذا الكلامُ يحتملُ وجوهاً : منها : أنَّهُم قالوا إنَّهم منافقون فيما أظهروا فلا تغترَّ بهم ؛ فأجاب بأنَّ هذا الأمر ينكشفُ عند لقاءِ ربِّهم في الآخرة.
ومنها : أنَّهُ جعله علَّة في الامتناع من الطَّرْدِ، وأراد أنهم ملاقو ربِّهم ما وعدهم، فإن طردتهم استخصموني في الآخرة.
ومنها : أنَّهُ نَبَّه بذلك على أنَّا نجتمع في الآخرة ؛ فأعاقب على طردهم فلا أجد من ينصرني.
ثم بيَّن أنَّهم يَبْنُون أمرهُم على الجَهْلِ بالعواقب والاغترارِ بالظَّواهرِ فقال :﴿وَلَـاكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾.
ثم قال :﴿ ويا قوم مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ﴾ [هود : ٣٠] من يمنعني من عذاب الله ﴿إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ تتَّعِظُونَ.
٤٧٤


الصفحة التالية
Icon