وروي عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال : التنور طلوع الفجر، ونور الصَّباح وقيل : التَّنُّور أشرف مكان في الأرض وأعلاه.
وقيل :" فَارَ التَّنُّورُ " يحتمل أن يكون معناه : اشتدَّ الحر كما يقالُ : حمي الوطيسُ.
ومعنى الآية : إذا رأيتَ الأمر يشتد والماء يكثر فانْجُ بنفسك ومن معك إلى السفينة.
وقال الحسنُ ومجاهدٌ والشعبيُّ : إنه التنور الذي يخبز فيه.
وهو قول أكثر المفسِّرين، ورواه عطيَّة عن ابن عبَّاس.
قال الحسنُ : كان تَنُّوراً من حجارةٍ، كانت حواء تخبزُ فيه، فصار إلى نُوح - عليه الصلاة والسلام - واختلفوا في موضعه فقال مجاهدٌ والشعبيُّ : إنَّه بناحية الكوفة وعن علي أنَّهُ في مسجد الكوفة.
وقال مقاتلٌ بموضع يقال له : عين وَرْدة بالشَّام وقيل : عين بالهند.
قال الزمخشريُّ :" حتَّى " هي التي يُبْتَدَأ بعدها الكلام، دخلت على الجملة من الشَّرطِ والجزاء، ووقعت غاية لقوله ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ أي : وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد والألف واللاَّم في " التَّنُّور " قيل : للعهدِ.
وقيل : للجنس.
ووزن " تَنُّور " قيل :" تَفْعُول " من لفظ النور فقلبت الواوُ لأولى همزة لانضمامها.
ثم حذفت تخفيفاً، ثم شدَّدُوا النون كالعوضِ عن المحذوف، ويعزى هذا لثعلب.
وقيل : وزنه " فَعُّول " ويعزى لأبي علي الفارسيِّ.
وقيل : هو أعجميٌّ، وعلى هذا فلا اشتقاقَ له.
والمشهورُ أنَّه ممَّا اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصَّابون.
ومعنى " فَارَ " أي : غلا قوة وشدة تشبيهاً بغليان القدر عند قوة النّضار، ولا شبهة في أنَّ نفس التَّنور لا يفوزُ، فالمرادُ : فار الماءُ في التَّنور.
قال اللَّيْثُ - رحمه الله - :" التَّنُّور عمَّت بكل لسان وصاحبه تنَّار قال الأزهريُّ : وهذا يدلُّ على أن الاسم يكون أعْجَميّاً فتعربه العرب، فيصير عربيّاً، والدليلُ على ذلك أنَّ الأل " تَنَرَ "، ولا يعرفُ في كلام العرب " تنر " وهو نظير ما دخل في كلام العرب من
٤٨٥
كلام العجم الدِّيباج والدِّينار، والسُّندس، والإستبرق، فإنَّ العرب تكلَّمُوا بها ؛ فصارت عربيةً ".
قيل : إنَّ امرأته كانت تخبز في ذل التنور، فأخبرته بخروج الماءِ من ذلك التنور فاشتغل في الحالِ بوضع هذه الأشياء في السفينة.
قوله :﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ قرأ العامَّة بإضافة " كُل " لـ " زَوْجَيْنِ ".
وقرأ حفص بتنوين " كُل "، فأمَّا العامة فقيل : إنَّ مفعول " احْمِلْ " " اثْنَيْن "، و " مِنْ " كُلِّ زَوْجَيْنِ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ من المفعول ؛ لأنه كان صفة للنَّكرة، فلمَّا قُدِّم عليها نُصب حالاً وقيل : بل " مِنْ " زائدة، و " كُل " مفعول به، و " اثْنَيْن " نعت لـ " زَوْجَيْن " على التَّأكيدِ، وهذا إنَّما يتمُّ على قول من يرى زيادة " مِنْ " مطلقاً، أو في كلامٍ موجب.
وقيل : قوله :" زَوْجَيْن " بمعنى العُمومِ أي : من كُل ما له ازدواجٌ، هذا معنى قوله :﴿مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ﴾ وهو قولُ الفارسيِّ وغيره.
قال ابنُ عطيَّة : ولو كان المعنى : احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين، لوجب أن يحمل من كُلِّ نوع أربعة، والزوج في مشهور كلامهم للوحد ممَّا له ازدواجٌ.
قال - سبحانه وتعالى - :﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات : ٤٩]، ويقال للمرأة زوجٌ، قال تعالى :﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء : ١] يعني المرأة، وهو زوجها، وقال :﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾ [النجم : ٤٥] فالواحدُ يقال له : زوجٌ، قال تعالى :﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام : ١٤٣]، ﴿وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام : ١٤٤].
فالزَّوجان : عبارة عن كل اثنين لا يَسْتغني أحدهما عن الآخر، يقال لكُلِّ واحدٍ منهما زوج، يقال زوج خفٍّ، وزوج نَعْلِ، والمراد بالزَّوجين ههنا : الذَّكر والأنثى.
وأمَّا قراءة حفص فمعناها : من كلِّ حيوان أو من كلِّ صنف، و " زَوْجَيْن " مفعولٌ به، و " اثْنَيْنِ " نعتٌ على التأكيد، كقوله ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـاهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل : ٥١]، و " مِنْ كُلّ " على هذه القراءة يجوز أن يتعلق بـ " احْمِلْ " وهو الظَّاهرُ، وأن يتعلق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من " زَوْجَيْنِ " وهذا الخلاف والتخريج جاريان أيضاً في سورة " قَدْ أفْلَحَ ".
فصل اختلفوا في أنه هل دخل في قوله :" زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ " غير الحيوانِ أم لا ؟ فنقول فالحيوانُ مرادٌ ولا بد، وأما النَّباتُ فاللفظ لا يدل عليه، إلا أنه بقرينة الحال لا يبعد دخلوه لأنَّ الناس محتاجون إلى النبات بجميع أقسامه.
٤٨٦


الصفحة التالية
Icon