شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي : يحفظ أعمال العباد حتى يجازيهم عليها.
وقيل : يحفظني من شركم ومكركم.
وقيل : حفيظ من الهلاكِ إذا شاء، ويهلك إذا شاء.
قوله :﴿وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ أي : عذابنا، وهو ما نزل بهم من الريحِ العقيمِ، عذَّبهم الله بها سبع ليال، وثمانية أيَّام، تدخلُ في مناخرهم وتخرجُ من أدْبَارهم وتصرعهم على الأرض على وجوههم حتى صارُوا ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٧].
﴿نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ وكانُوا أربعة آلاف " بِرَحْمَةٍ مِنَّا " بنعمة مِنَّا.
وقيل : المراد بالرحمة : ما هداهُم إليه من الإيمان.
وقيل : المرادُ أنَّهُ لا ينجو أحد، وإن اجتهد في الإيمان والعمل الصالح إلاَّ برحمةٍ من الله تعالى.
ثم قال :﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ فالمرادُ بالنَّجاةِ الأولى : هي النَّجَاةُ من عذاب الدُّنيا، والنَّجاةُ الثانية من عذاب القيامةِ.
والمرادُ بقوله :" ونَجَّيْنَاهُم " أي : حكمنا بأنَّهُم لا يستحقون ذلك العذاب الغليظ.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠٤
ولما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمدٍ ﷺ فقال :﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : سِيحُوا في الأرض فانظرُوا إليها واعتبروا.
قوله :" جَحَدُوا " جملةٌ مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بذلك، وليْسَتْ حالاً ممَّا قبلها، و " جَحَدَ " يتعدَّى بنفسه، ولكنه ضُمِّنَ معنى " كَفَر "، فيُعدَّى بحرفه، كما ضمَّن " كَفَر " معنى " جَحَدَ " فتعدَّى بنفسه في قوله بعد ذلك :" كَفَرُوا ربَّهُمْ ".
وقيل : إنَّ " كَفَر " كـ " شَكَر " في تعدِّيه بنفسه تارةً وبحرفِ الجر أخرى.
واعلم أنَّه تعالى وصفهم بثلاث صفاتٍ.
الأولى : قوله :﴿جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ أي : جحدوا دلائل المعجزات على الصِّدقِ، أو حجدُوا دلائل المحدثات على وجودِ الصانع الحكيمِ.
والثانية : قوله :﴿وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ﴾ ومعناه : أنهم إذا عصوا رسُولاً واحداً ؛ فقد عصوا جميع الرُّسُلِ لقوله :﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ [البقرة : ٢٥٨].
والثالثة : قوله :﴿وَاتَّبَعُوا ااْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ والمعنى : أنَّ السَّفلة كانُوا يقلدون الرؤساء في قولهم ﴿مَا هَـذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون : ٣٣].
وتقدَّم اشتقاقُ " الجبّار " [المائدة : ٢٢].
والعَنِيدُ والعَنُود والمُعَاند : المنازع المعارض قاله أبو عبيدٍ وهو الطَّاغي المتجاوزُ في الظُّلم من قولهم :" عَنَدَ يَعْنِد " إذا حاد
٥١٠
عن الحقِّ من جانبٍ إلى جانب.
ومنه " عندي " الذي هو ظرف ؛ لأنه في معنى جانب، من قولك : عندي كذا، أي : في جانبي.
ثم قال :﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ أي : أردفُوا لعنة تلحقهم، وتصاحبهم في الدنيا وفي الآخرة.
واللعنة : هي الإبعادُ، والطَّردُ عن الرَّحمةِ.
ثم بيَّن السَّبب في نزول هذه الاحوال فقال :﴿أَلا اا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ﴾ أي : كفروا بربهم فحذف الباء.
وقيل : هو من باب حذف المضافِ، أي كفروا نعمة ربِّهم.
ثم قال :﴿أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ قيل : بُعْداً من رحمةِ الله، وقيل : هلاكاً.
وللبعد معنيان : أحدهما : ضدَّ القربِ، يقال منه : بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْداً.
والآخر : بمعنى الهلاك فيقال منه : بَعِد يَبعِدُ بَعَداً وبَعُداً.
فإن قيل : اللعن هو البُعْدُ، فلمَّا قال :﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فما فائدةُ قوله :﴿أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ ؟.
فالجواب : كانوا عاديَيْن.
فالأولى هم قوم هود الذين ذكرهم الله في قوله ﴿أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ﴾ [النجم : ٥٠].
والثانية أصحاب إرم ذات العمادِ.
وقيل : المبالغة في التَّنْصيصِ تدلُّ على مزيد التأكيد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٠
قوله تعالى :﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾ القصة.
الكلامُ على أوَّلها كالذي قبلها.
والعامَّةُ على منع " ثمُود " الصَّرْف هنا لعلَّتين : وهما
٥١١


الصفحة التالية
Icon