لـ " تَزِيدُونَنِي "، أي : فمَا تَزِيدُونَنِي إلاَّ تَخْسِيراً.
ويجوز أن تكون " غير " صفةً لمفعولٍ محذوفٍ، أي شيئاً غير تخسير، وهو جيد في المعنى.
ومعنى التَّفْعِيل هنا النسبةُ، والمعنى : غير أن أخسركُم، أي : أنسبكم إلى التَّخْسير، قال الزمخشريُّ.
قال الحسنُ بن الفضلِ : لم يكنْ صالح في خسارةٍ حتى قال :﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ وإنَّما المعنى : فما تَزِيدُونَنِي بما تقُولُون إلا نسبتي إيَّاكم إلى الخسارةِ.
والتفسيقُ والتَّفْجِيرُ في اللغة : النسبة إلى الفِسْقِ والفُجُور، فكذلك التَّخْسيرُ هو النسبة إلى الخُسرانِ.
وقيل : هو على حذف مضافٍ، أي : غير بضارِّه تخسيركم، قالهُ ابن عبَّاسٍ.
قوله تعالى :﴿ ويا قوم هَـاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ الآية.
" لَكُمْ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " آيةً " ؛ لأنَّهُ لو تأخَّرَ لكان نَعْتاً لها، فلمَّا قُدِّم انتصب حالاً.
قال الزَّمخشريُّ : فإن قلت : بِمَ تتعلَّقُ " لَكُمْ " ؟ قلتُ : بـ " آيَةٌ " حالاً منها متقدمة، لأنَّها لو تأخَّرت لكانت صفة لها، فلما تقدَّمت انتصبت على الحالِ.
قال أبُو حيَّان : وهذا متناقضٌ لأنَّهُ من حيثُ تعلق " لكُم " بـ " آية " كان معمولاً لـ " آية " وإذا كان معمولاً لها امتنع أن يكون حالاً منها، لأنَّ الحال تتعلَّقُ بمحذوفٍ.
قال شهابُ الدِّين - رحمه الله - : ومثلُ هذا كيف يعترض به على مثلِ الزمخشري بعد إيضاحه المعنى المقصود بأنه التعلُّقُ المعنويُّ ؟.
و " آيةً " نصب على الحالِ بمعنى علامة، والنَّاصبُ لها : إمَّا " ها " التَّنبيه، او اسمُ الإشارة، لما تضمَّناهُ من معنى الفعل، أو فعلٍ محذوف.
فصل اعلم أنَّ العادة فيمن يدَّعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام لا بُدَّ وأن يطلبوا منه معجزة، فطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من صخرةٍ معينةٍ، فدعا صالحٌ ؛ فخرجت ناقة عشراء، وولدت في الحال ولداً مثلها.
وهذه معجزة عظيمة من وجوه : الأول : خلقُهَا من الصَّخْرة.
وثانيها : خَلْقُها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل.
٥١٤
وثالثها : خلقها على تلك الصُّورة دفعة واحدة من غير ولادة.
ورابعها : أنَّهُ كان لها شرب يوم.
وخامسها : أنه كان يحصلُ منها لبنٌ كثير يكفي الخلق العظيم.
ثم قال :﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ﴾ من العشب، والنبات، فليس عليكم مؤنتها.
وقرىء " تأكلُ " بالرفع : إمَّا على الاستئناف، وإمَّا على الحالِ.
﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ﴾، ولا تصيبوها بعقر " فيَأخُذَكُمْ " إن قتلتموها " عذابٌ قريبٌ " يريد اليوم الثالث.
﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ﴾ لهُم صالح :﴿تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ﴾ أي : في دياركم، فالمراد بالدَّار : البلد، وتُسَمَّى البلاد بالدِّيار، لأنَّه يدار فيها، أي : يتصرف، يقال : ديار بكر أي : بلادهم.
وقيل : المراد بالدِّيار : دار الدُّنيا، وقيل : هو جمع " دارة " كساحة وساحٍ وسُوحٍ، وأنشد ابنُ أبي الصَّلْت :[الوافر] ٢٩٨٠ - لَهُ دَاعٍ بِمَكَّة مُشْمَعِلٌّ
وآخَرُ فوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١١
فصل قال القرطبيُّ :" استدلَّ العلماءُ بتأخير الله العذاب عن قوم صالح ثلاثة أيام على أنَّ المسافر إذا لمْ يُجمع على إقامة أربع ليالٍ قصر ؛ لأنَّ الثلاثة أيام خارجة عن حكم الإقامة ".
والتَّمتع : التَّلذُّذ بالمنافع والملاذ.
﴿ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾، [أي : غير كذب].
قوله :" مَكْذُوب " يجُوزُ أن يكون مصدراص على زنة مفعولٍ، وقد جاء منه أليفاظ نحو : المَجْلود والمعقُول والمَيْسُور والمَفْتُون، ويجوزُ أن يكون اسم مفعولٍ على بابه، وفيه حينئذٍ تأويلان : أحدهما : غير مكذوبٍ فيه، ثم حذف حرف الجر فاتَّصل الضَّمير مرفُوعاً مستتراً في الصِّفة ومثله " يَوْمٌ مَشْهُودٌ " وقول الشاعر :[الطويل] ٢٩٨١ - ويَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وعَامِراً
قَلِيلٌ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نوافِلُه
والثاني : أنه جُعِل هو نفسُه غير مكذوب ؛ لأنَّه قد وُفي به، فقد صُدِّق.
٥١٥


الصفحة التالية
Icon