المعنى : لو أنَّ لي قوة البدنِ، أو القوَّة بالأتباع، وتسمية موجب القوة بالقوَّة جائز قال تعالى :﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال : ٦٠] والمراد السلاح.
﴿أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ أي : موضع حصين، وقيل : أنضم إلى عشيرةٍ مانعةٍ.
فإن قيل : كيف عطف الفعل على الاسم ؟.
فالجوابُ قد تقدَّم.
قال أبُو هريرة - رضي الله عنه - :" ما بعث الله بعده نبيّاً إلاَّ في منعة من عشيرته ".
" وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي ﷺ قال :" يَرْحَمُ اللهُ لُوطاً لقد كَانَ يَأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ ".
قال ابنُ عبَّاسٍ والمفسِّرُون - رضي الله عنهم - : أغلق لوطٌ بابه، والملائكة معه في الدَّار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراءِ البابِ، وهم يُعَالجُونَ سور الجدار، فلما رأت الملائكةُ ما يلقى لوطٌ بسببهم :﴿قَالُواْ يا لُوطُ﴾ إنَّ ركنك شديدٌ ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا ااْ إِلَيْكَ﴾ بسوءٍ ومكروه فإنا نحولُ بينهم وبين ذلك، فافتح الباب، ودعنا وإيَّاهم ؛ ففتح الباب ودخلوا، واستأذن جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - ربه - عزَّو جلَّ - في عقوبتهم فأذن لهُ - فقام في الصُّورة اليت يكون فيها ؛ فنشر جناحيه، وعليه وشاح من دُرٍّ منظوم، وهو براق الثَّنايا، أجلى الجبين، ورأسه مثل المرجان كأنَّه الثلج بياضاً، وقدماه إلى الخضرة، فضرب بجناحيه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم فصاروا لا يعرفون الطَّريق، فانصرفوا وهم يقولون : النَّجاة النَّجاة في بيت لوطٍ أسحرُ قوم في الأرض، سحرونا، وجَعلوا يقولون : يا لوطُ كما أنت حتى تصبح، وسترى ما تلقى منَّا غداً، فقال لوطٌ للملائكةِ : متى موعد هلاكهم ؛ فقالوا : الصُّبح، قال : أريدُ أسرع من ذلك فلو أهلكتموهم الآن، فقالوا ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.
قوله :" فَأَسْرِ " قرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ :(فأسر بأهلك) هنا وفي الحجر، وفي الدخان (فاسر بعبادي)، وقوله :(أن اسر) في طه والشعراء، جميع ذلك بهمزة الوصل تسقط درجاً وتثبتُ مكسورة ابتداء.
والباقُون :" فأسْرِ " بهمزة القطع تَثْبتُ مفتوحةً درجاً وابتداء، والقراءتان مأخوذتان
٥٣٦
من لغتي هذا الفعل فإنَّهُ يقال : سَرَى، ومنه ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر : ٤]، وأسْرَى، ومنه :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء : ١] وهل هما بمعنى واحدٍ أو بينهما فرقٌ ؟ خلافٌ فقيل : هما بمعنى واحدٍ، وهو قولُ أبي عبيدٍ.
وقيل : أسْرَى لأولِ الليل، وسرى لآخره، وهو قولُ اللَّيْثِ - رحمه الله - وأمَّا " سَارَ " فمختص بالنَّهار، وليس مقلُوباً من " سَرَى ".
فإن قيل " السُّرى " لا يكون إلاَّ بالليل، فما الفائدةُ في قوله :﴿بِقِطْعٍ مِّنَ الْلَّيْلِ﴾ قال : هو آخر الليل سحر وقال قتادةُ : بعد طائفة من اللَّيلِ.
وتقدم في سورة يونس.
ثم قال :﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ في الالتفات وجهان : أحدهما : نظر الإنسان إلى ما وراءه، فيكونُ المرادُ أنه كان لهم في البلد أموال نهوا عن الالتفات إليها.
والثاني : أنَّ المراد بالالتفات الانصرافُ ؛ كقوله تعالى :﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا﴾ [يونس : ٧٨] أي : لتصرفنا والمراد نهيهم عن التَّخلُّفِ.
قوله :﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾ قرأ ابنُ كثير، وأبو عمرو برفع " امْرأتُكَ " والباقون بنصبها.
وفي هذه الآية كلامٌ كثيرٌ.
أمَّا قراءةُ الرَّلإع ففيها وجهان : أشهرهما - عند المعربين - أنَّه على البدل من " أحد " وهو أحسنُ من النَّصب، لأنَّ الكلام غيرُ موجب.
٥٣٧


الصفحة التالية
Icon