والنّاصبُ لهذا الظرف فيه أوجه : أحدها : أنه " لا تكلَّمُ " والتقديرُ : لا تكلَّمُ نفسٌ يوم يأتي ذلك اليوم.
وهذا معنى جيد لا حاجة إلى غيره.
الثاني : أن ينتصب بـ " اذْكُر " مقدراً.
والثالث : أن نتصب بالانتهاءِ المحذوف في وله :﴿إِلاَّ لأَجَلٍ﴾ أي : ينتهي الأجل يوم يأتي.
والرابع : أنَّهُ منصوبٌ بـ " لا تكلَّمُ " مقدَّراً، ولا حاجة إليه.
والجملةُ من قوله :" لا تكلَّمُ " في محلِّ نصب على الحال من ضمير اليوم المتقدم في " مَشْهُود " أو نعتاً له لأنه نكرة.
والتقدير : لا تكلَُّ نفسٌ فيه إلاَّ بإذنه، قاله الحوفيُّ.
وقال ابن عطيَّة :" لا تكلَّمُ نفسٌ " يصحُّ أن تكون جملة في موضع الحال من الضَّمير الذي في " يَأتِ " وهو العائدُ على قوله :﴿وَذَلِكَ يَوْمٌ﴾، ويكون على هذا عائدٌ محذوف تقديره : لا تكلمُ نفسٌ فيه، ويصحُّ أن يكون قوله :﴿لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ﴾ صفةً لقوله :﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾.
وفاعل " يَأتِ " فيه وجهان : أظهرهما : أنَّهُ ضميرُ " يَوْم " المتقدِّم.
والثاني : أنَّه ضمير الله تعالى كقوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة : ٢١٠] وقوله :" أوْ يَأتِي ربُّكَ ".
والضميرُ في قوله :" فَمِنْهُمْ الظاهرُ عودهُ على " النَّاس " في قوله :﴿مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ﴾ وجعله الزمخشريُّ عائداً على أهل الموقف وإن لمْ يذكرُوا، قال : لأن ذلك
٥٦٤
معلومٌ، ولأنَّ قوله :﴿لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ﴾ يدلُّ عليه " وكذا قال ابنُ عطية.
وقوله :﴿وَسَعِيدٌ﴾ خبره محذوف : أي : ومنهم سعيدٌ، كقوله :﴿ذَمِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود : ١٠٠].
فصل هذه الآية توهم المناقضة لقوله ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا﴾ [النحل : ١١١] ولقوله ﴿هَـذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات : ٣٥ - ٣٦] وقوله :﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام : ٢٣].
والجواب : قال بعضهم : إنَّهُ حيثُ ورد المنعُ من الكلامِ، فهو محمولٌ على الجوابات الصَّحيحة ؛ قال تعالى :﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ وَقَالَ صَوَاباً﴾ [النبأ : ٣٨] وقيل : إنَّ ذلك اليوم يوم طويل، وله مواقف، ففي بضعها يجادلُون عن أنفسهم، وفي بعضها يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم.
وقيل : ورد المنع عن الكلام مطلقاً، وورد مقيداً بالإذن فيحمل المطلق على المقيِّد.
قوله :﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ قال الزمخشريُّ : الضميرُ في قوله :" مِنْهُمْ " لأهل الموقف ولمْ يذكرُوا ؛ لأنَه مفهومٌ، ولأنَّ قوله :﴿لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ يدلُّ عليه ؛ ولأنه مذكورٌ في قوله :﴿مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ﴾.
واستدلَّ القاضي بهذه الآية على فساد القول بأنَّ أهل الأعراف لا في الجنة ولا في النَّارِ.
وجوابه : أنَّ الأطفال والمجانين أيضاً خارجون عن هذا التَّقسيم ؛ لأنَّهُم لا يحاسبُون، فلم لا يجوزُ أيضاً أن يقال : إنَّ أصحاب الأعراف خارجون عنه أيضاً ؛ لأنهم لا يحاسبون لأنَّ الله - تعالى - علم من حالهم أنَّ ثوابهم يساوي عذابهم، فلا فائدة في حسابهم.
واستدلَّ القاضي أيضاً بهذه الآية على أنَّ كلَّ من حضر عرضه القيامة فلا بد وأن يكون ثوابه زائداً أو عذابه، فأمَّا من كان ثوابه مساوياً لعقابه، فإنَّه وإن كان جائزاً في العقل، إلا أن هذا النص يدلُّ على انَّهُ غيرُ موجودٍ.
وأجيب بأنَّ تخصيص هذين القسمين بالذِّكر لا يدلُّ على نفي القسم الثالث ؛ لأنَّ أكثر الآيات مشتملةٌ على ذكر المؤمن والكافر، وليس فيه ذك ثالث لا يكون مؤمناً ولا كافراً مع أنَّ القاضي أثبته، فإذا لم يلزمْ من عدم ذكر الثالث عدمه فكذلك لا يلزمُ من عدم ذكر هذا الثالث عدمه.
٥٦٥