العموم، فإن الله - تعالى - وصفة بكونه هُدًى من غير تقييد في اللَّفظ، مع أنه يستحيل أن يكون هدى في إثبات الصَّانع، وصفاته، وإثبات النبوة، فثبت أنّ المطلق لا يفيد العموم.
السّؤال الرابع : الهُدَى هو الذي بلغ في البيان والوضوح إلى حيث بين غيره، والقرآن ليس كذلك، فإن المفسّرين ما ذكروا آية إلاّ وذكروا فيها أقوالاً كثيرة متعارضة، ويؤيد هذا قوله :﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل : ٤٤].
وما يكون كذلك لا يكون مبيناً في نفسه، فضلاً عن أن يكون مبيناً لغيره، فكيف يكون هدى ؟ قلنا : من تكلم في التفسير بحيث يورد الأقوال المُتَعَارضة، ولا يرجح واحداً منها على الباقي يتوجه عليه السؤال، وأما من رجح واحداً على البواقي فلا يتوجّه عليه السؤال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥١
" الذين " يحتمل الرفع والنصب والجر، والظاهر الجر، وهو من ثلاثة أوجه :
٢٧٩
أظهرها : أنه نعت لـ " المتقين ".
والثاني : بدل.
والثالث : عطف بيان.
وأما الرفع فمن وجهين : أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف على معنى القطع، وقد تقدم.
والثاني : أنه مبتدأ، وفي خبره قولان : أحدهما :" أولئك " الأولى.
والثاني :" أولئك " الثانية، والواو زائدة، وهذان القولان منكران ؛ لأنه قوله :" والذين يؤمنون " يمنع كونه " أولئك " الأولى خبراً أيضاً.
وقولهم : الواو زائدة لا يلتفت إليه.
والنصب على القطع.
و " يؤمنون " صلة وعائد.
قال الزمخشري :" فإذا كان موصولاً كان الوقف على " المتقين " حسناً غير تام، وإذا كان منقطعاً كان واقفاً تاماً ".
وهو مضارع علامة رفعه " النون " ؛ لأنه أحد الأمثلة الخَمْسَةِ وهي عبارة عن كل فعل مضارع اتصل به " ألف " اثنين، أو " واو " جمع، أو " ياء " مخاطبة، نحو :" يؤمنان - تؤمنان - يؤمنون - تؤمنون - تؤمنين ".
والمضارع معرب أبداً، إلاّ أن يباشر نون توكيد أو إناث، على تفصيل ياتي إن شاء الله - تعالى - في غُضُون هذا الكتاب.
وهو مضارع " أمن " بمعنى : صدق، و " آمن " مأخوذ من " أمن " الثلاثي، فالهمزة في " أمن " للصّيرورة نحو :" أعشب المكان " أي : صار ذا عُشْب.
أو لمطاوعة فعل نحو :" كبه فأكب "، وإنما تعدى بالباء، لنه ضمن معنى اعترف، وقد يتعدّى باللام كقوله تعالى :﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا﴾ [يوسف : ١٧]، ﴿فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى ﴾ يونس : ٨٣] إلاَّ أن في ضمن التعدية باللام التّعدية بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين.
وأصل " يؤمنون " :" يؤأمنون " بهمزتين : الأولى : همزة " أفْعَل ".
والثاني فاء الكلمة، حذفت الولى ؛ لأن همزة " أفْعَل " تحذف بعد حرف المُضَارعة، واسم فاعله، ومفعوله نحو : طأكرم " و " يكرم " و " أنت مُكْرِم، ومُكْرَم ".
وإنما حذفت ؛ لأنه في بعض المواضع تجتمع همزتان، وذلك إذا كان حرف المُضّارعة همزة نحو :" أنا أكرم "، الأصل : أأكرم بهمزتين، الولى : للمضارعة والثانية : همزة أفعل، فحذفت الثانية ؛ لأن بها حصل الثّقل ؛ ولأن حرف المضارعة أولى بالمحافظة عليه، ثم حصل باقي الباب على ذلك طَرْداً للباب.
٢٨٠
ولا يجوز ثبوت همزة " أفعل " في شيء من ذلك إلا في ضرورة ؛ كقوله :[الرجز]
١١٩ - فَإَنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا
وهمزة " يؤمنون " - وكذلك كل همزة ساكنة - يجوز أن تبدل بحركة ما قبلها، فتبدل حرفاً متجانساً نحو :" راس " و " بير " و " يومن "، فإن اتفق أن يكون قبلها همزة أخرى وجب البدل نحو :" إيمان " و " آمن ".
فصل قال بعضهم :﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ يحتمل أن يكون كالتفسير لكونهم متقين، وذلك لأن المتقي هو الذي يكون فاعلاً للحسنات وتاركاً للسيئات، أما الفعل فإما أن يكون فعل القلب وهو قوله :" الذين يؤمنون ".
وإما أن يكون فعل الجوارح، أساسه الصَّلاة والصدقة ؛ لأن العبادة إما أن تكون بدنية، وأصلها الصَّلاة، أو مالية وأصلها الزكاة، ولهذا سمى الرسول عليه الصلاة والسلام :" الصَّلاَة عِمَاد الدِّين، والزَّكَاة قَنْطَرَة الإسلام " أما التَّرْك فهو داخل في الصَّلاة، لقوله تعالى :﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت : ٤٥] واختلف الناسي في مسمى الإيمان في عرف الشرع على أربع فرق : الفرقة الاولى : قالوا : الإيمان اسم لأفعال القلوب، والجوارح، والإقرار باللسان، وهم المعتزلة والخوارج والزيدية، وأهل الحديث.
أما الخوارج فقد اتفقوا على أن الإيمان بالله يتناول المعرفة بالله، وبكل ما وضع عليه دليلاً عقلياً، أو نقلياً من الكتاب والسُّنة، ويتناول طاعة الله في جميع ما أمر الله به من الأفعال والتروك صغيراً كان أو كبيراً.
فقالوا : مجموع هذه الأشياء هو الإيمان، وترك كل خصلة من هذه الخصال كفر،
٢٨١