شدَّد اللام مع كونها حشْواً بياء الإطلاقِ، وقد يُفرَّق بأنَّ الألف والياء في هذين البيتين في حكم الطَّرح ؛ لأنَّهما نَشَآ من حركةٍ بخلاف ألف :" لمَّا " فإنَّها أصليةٌ ثابتةٌ، وبالجملة فهُو وجهٌ ضعيفٌ جدًّا.
الرابع : أنَّ أصلها " لمًّا " بالتنوين ثم بين منهُ " فَعْلى " فإن جعلت ألفهُ للتَّأنيث، لم تصرفه، وإنْ جعلتها للإلحاق صرفتهُ، وذلك كما قالوا في " تَتْرى " بالتنوين وعدمه، وهو مأخوذ من قولك : لَمَمْتُهُ : أي جمعتُهُ، والتقدير : وإن كُلاًّ جميعاً لويفينَّهُمْ، ويكون " جَميعاً " فيه معنى التوكيد كـ " كل "، ولا شكَّ أنَّ " جميعاً " يفيدُ معنى زائداً على " كل " عند
٥٨١
بعضهم قال : ويدلُّ على ذلك قراءة من قرأ :" لمَّا " بالتنوين.
الخامس : أنَّ الأصل " لمًَّا " بالتنوين أيضاَ، ثمَّ أبدل التنوين ألفاً وقفاً، ثم أجري الوصل مجرى الوقف، وقد منع من هذا الوجه أبو عبيدة قال : لأنَّ ذلك إنَّما يجوز في الشعر يعني إبدال التنوين ألفاً وصلاً إجراءً لهُ جرى الوقف، وسيأتي توجيه قراءة " لمَّا " بالتنوين.
وقال ابنُ الحاجبِ :" استعمالُ " لمَّا " في هذا المعنى بعيد، وحذفُ التنوين من المُنْصَرف في لاوصل أبعدُ، فإن قيل :" لمَّا " فعلى من اللَّمِّ، ومُنِعَ الصرف لأجل ألف التأنيث، والمعنى فيه مثل معنى " لمَّا " المُنْصَرف فهو أبعدُ، إذ لا يعرفُ " لمَّا " فعلى بهذا المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزمُ هؤلاء أن يميلوا كمن أمال، وهو خلافُ الإجماع، وأن يكتبوها بالياء، وليس ذلك بستقيم ".
السادس : أنَّ " لمَّا " زائدة كما تزاد " إلا " قالهُ أبو الفتح وغيره، وهذا وجهٌ لا اعتبار به، فإنَّه مبنيُّ على وجهٍ ضيف أيضاً، وهو أنَّ " إلاَّ " تأتي زائدة.
_ السابع : أنَّ " إنْ " نافيةٌ بمنزلة " ما "، و " لمَّا " بمعنى " إلاّ " فهي كقوله :﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق : ٤] أي : ما كلُّ نفس إلاَّ عليها ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ﴾ [الزخرف : ٣٥] أي : ما كل ذلك إلا متاع.
واعترض على هذا الوجه بأنَّ " إنْ " النافية لا تنصبُ الاسم بعدها، وهذا اسمٌ منصوبٌ بعدها وأجابَ بعضهم عن ذلك بأنَّ " كلاًّ " منصوبٌ بإضمار فعلٍ، فقدَّرهُ قومٌ منهم أبو عمرو ابنُ الحاجبِ : وإن أرى كلاًّ، وإن أعلمُ ونحوه، قال : ومِن هنا كانتْ أقلَّ إشكالاً من قراءة ابن عامر لقبولها هذا الوجه غيرُ مُسْتبعدٍ ذلك الاستعباد وإنْ كان في نَصْبِ الاسم الواقعِ بعد حرف النًَّفِي استبعادٌ، ولذلك اختلف في مثل :[الوافر] ٣٠٣٣ - ألاَ رَجُلاً جزاهُ اللَّهُ خَيْراً
يَدُلُّ عَلى مُحَصِّلةٍ تَبِيتُ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٧٥
هل هو منصوب بفعل مقدَّر، أو نوِّن ضروةً ؟ فاختار الخليلُ إضمار الفعلِ، واختار يونس التنوين للضَّرورة، وقدَّرهُ بعضهم بعد " لمَّا " من لفظ :" ليُوفِّينَّهُم "، والتقدير : وإن كلاً إلاَّ ليوفِّينَّ ليُوفِّينَّهم.
وفي هذا التقدير بعدٌ كبيرٌ أو امتناع ؛ لأنَّ ما بعد " إلاَّ " لا يعمل فيما قبلها، واستدل على مجيء :" لمَّا " بمعنى :" إلاَّ " بنصِّ الخليل وسبويه على ذلك ونصره الزَّجَّاج.
قال بعضهم : وهي لغةُ هذيل، يقلولون : سألتك بالله لمَّا فعلت أي : إلاَّ فعلت.
وأنكر الفرَّاء وأبو عبيدة وردود :" لمَّ " بمعنى :" إلاًّ " قال أبو عبيدٍ :" أمَّا من شدَّد " لمَّا " بتأويل " إلاَّ " فلمْ نجدْ هذا في كلام العربِ، ومن قال هذا لزمهُ أن يقول : قام القوم
٥٨٢


الصفحة التالية
Icon