أوحي إليه ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ الآية، فقال أصحاب رسول الله ﷺ ألِهذا خاصة أم للناس عامة ؟ قال :" بَلْ للنَّاسِ عامَّة " وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله ﷺ كان يقول :" الصَّواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضان مُكفّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتُنِبت الكبائِرَ ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ - قال :" أرأيتُم لوْ أنَّ نهراً بباب أحكمْ يغتَسِلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ، هل يبْقَى من دَرَنِهِ شيءٌ " ؟ قالوا : لا، قال :" فذلِكَ مثلُ الصَّلواتِ الخمسِ، يَمْحُوا اللَّهُ بهنَّ الخطايا ".
فصل احتجَّ من قال إنَّ المعصية لا تضرُّ مع الإيمان بهذه الآية ؛ لأنَّ الإيمان أشرفُ الحسنات، وأجلها، وأعظمها، ودلَّت الآية على أنَّ الحسنات تذهبُ السيئات، والإيمان يذهب الكفر الذي هو أعلى درجة في العصيان ؛ فلأن يذهب المعصية التي هي أقل درجة أولى، فإن لم يفد إزالة العقاب بالكلية فلا أقلَّ من أن يفيد إزالة العقابِ الدَّائم المؤبَّد.
ثم قال تعالى :﴿ذالِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ أي : ذلك الذي ذكرناه، وقيل : إشارة إلى القرآن " ذِكْرَى " موعظة، " للذَّاكرينَ " أي : لمن ذكره " واصْبِرْ " يا محمَّدُ على ما تلقى من الأذى.
وقيل : على الصَّلاة، نظيرهُ : قوله تعالى :﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه : ١٣٢] ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ في أعمالهم، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - " يعني المصلِّينَ ".
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٧٥
قوله تعالى :﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ﴾ من الآية.
لمَّا بيَّن أنَّ الأمم المتقدمين حلَّ بهم عذاب الاستئصال، بيَّن أنَّ السبب فيه أمران : الأول : أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض، فقال :﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ﴾، " لوْلاَ " تخضيضيه دخلها معنى التَّفجُّع عليهم، وهو قريبٌ من مجاز قوله تعالى :﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس : ٣٠] وما يروى عن الخليل - رحمه الله - أنه قال : كل ما كان في القرآن من " لَوْلاَ " فمعناه " هَلاَّ " إلاَّ التي في الصافات " لوْلاَ أنَّهُ "، لا يصحُّ عنه لورودها كذلك في غير الصافات ﴿لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ﴾ [القلم : ٤٩] ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ [الإسراء : ٧٤] ﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ﴾ [الفتح : ٢٥].
و " مِنَ القُرونِ " يجوز أن يتعلَّق بـ " كان " ؛ لأنَّها هنا تامَّة، إذا المعنى : فهلاَّ وُجِد من القُرونِ، أو حدث، أو نحو ذلك، ويجُوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من :" أُولُوا بقيَّةٍ " لأنه لو تأخَّر عنه لجاز أن يكون نعتاً لهُ، و " مِن قَبْلِكُم " حالٌ من " القُرُون " و " يَنْهَون " حالٌ من " أولوا بقيَّة " لتخصُّصه بالإضافةِ، ويجوز أن يكون نعتاً لـ " أُولُوا بقيَّّةٍ " وهو أولى.
ويضعفُ أن تكون " كان " هذه ناقصة لبُعْد المعنى من ذلك، وعلى تقديره يتعيَّن تعلُّق " من القُرونِ " بالمحذُوف على أنَّهُ حالٌ ؛ لأنَّ " كَانَ " النَّاقصة لا تعملُ عند جمهورالنُّحاةِ، ويكون " يَنْهَوْنَ " في محلِّ نصب خبراً لـ " كان ".
وقرأ العامَّةُ " بقيَّة " بفتح الباء وتشديد الياءِ، وفيها وجهان : أحدهما : أنَّها صفةٌ على " فَعِيلة " للمبالغةِ، بمعنى " فاعل " ؛ وذلك دخلت التَّاءُ فيها، والمرادُ بها حينئذٍ الشيء وخياره، وإنَّما قيل لجنْدِه وخياره :" بقيَّة " في قولهم : فلان بقيةُ النَّاس، وبقيةُ الكرام ؛ لأنَّ الرَّجُل يستبقى ممَّا يخرجه أجوده وأفضله والرجل يبقى بعده ذكر جوده وفضله ؛ وعليه حمل بيتُ الحماسِة :[البسيط] ٣٠٤٠ - إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تَأتينِي بقِيَّتُكُمْ
.................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٩٦
وفي المثل :" في الزَّويا خبايا، وفي الرِّجالِ بَقايَا ".
٥٩٦


الصفحة التالية
Icon