واعلم ان كثيراً من هذه الأسماء غير مذكورة في الكتب المصنفة في صُور الكواكب.
فصل زعمت طائفةٌ من العلماء : أ، ه لم يكن في أولاد يعقُوب نبيٌّ غير يُوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ وباقي إخوته لم يوح إليهم، واستدلُّوا بظاهر ما ذُكر من أفعالهم، وأحوالهم في هذه القصَّة، ومن استدلَّ على نُبوتهم، استدلَّ قوله ـ تعالى ـ :﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ﴾ [البقرة : ١٣٦] وزعم أنَّ هؤلاء : هم الأسباط، وهذا استدلال ضعيفٌ ؛ لأن المراد بالأسباط : شُعوب بني إسرائيل، ما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين نزل عليهم الوحي، وأيضاً : فإنَّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو المخصُوص من بين إخوته بالنبوة والرسالة ؛ لأنَّه نصَّ على نُبوَّته، والإيحاء إليه في آيات من القرآن ولم ينصَّ على أحد إخوته سواه ؛ فدلَّ على ما ذكرنا.
فصل في الآية دليل على تحذير المسلم أخاهُ المسلم، ولا يكُون ذلك داخلاً في معنى الغيبة ؛ لأنَّ يعقُوب قد حذَّر يوسف أن يقُصَّ رُؤياه على إخوته ؛ فيَكِيدُوا لهُ كيْداً، وفيها أيضاً : دليل على جواز ترك إظهار النِّعمة عند من يخشى غائلته حسداً، وفيها أيضاً : دليلٌ على مع رفة يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتأويلِ الرُّؤيا ؛ فإنه علم من تأويلها : أنَّه سيظهر عليْهم.
قوله ﴿لاَ تَقْصُصْ﴾ قرأ حفص :" يا بُنيَّ " بفتح الياء، والباقون بكسرها، وقرأ العامة : بفك الصادين، و هي لغةُ الحجاز، وقرأ زيد بن عليك بصادٍ واحدةٍ مشددة، والإدغام لغة تميم، وقد تقدَّم تحقيق هذا في المائدة، عند قوله :﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ﴾ [المائدة : ٥٤] والرُّؤيا مصدر كالبُقْيَا.
وقال الزمخشريٌّ :" الرُّؤيا بمعنى : الرُّؤية، إلا أنَّها ختصةٌ بما كان في النَّوم دون اليقظة، فُرِّق بينهما بحرفي التأنيث ؛ كما قيل : القربة والقربى ".
وقرأ العامَّة :" الرُّؤيا " مهموزة من غير إمالة، وقرأها الكسائيُّ في رواية الدُّوريِّ عنه بالإمالةِ : وأما (الرؤيا) [يوسف : ١٠٠] : و " رُؤيَاي " الاثنتان في هذه السورة، فأمالهما الكسائيُّ من غير خلافِ في المشهور، وأبو عمرو يبدل هذه الهمزة واواً في طريق السوسيِّ.
وقال الزمخشري : وسمع الكسائيُّ :" رُيَّايَ وريَّاكَ " بالادغام، وضم الرَّاء،
١٤
وكسرها، وهي ضعيفة ؛ لأن الواو في تقدير الهمزة ؛ فلم يقو إدغامها ؛ كما لم يقو إدغام " اتَّزَر " من الإزراِ، و " اتَّجرَ " من " الأجْر ".
يعنى : أن العارض لا يعتدُّ به، وهذا هو الغالبُ، وقد اعتدَّ القراء بالعارض في مواضع يأتي بعضها ـ إن شاء الله تعالى ـ نحو قوله :" رِئْياً " في قوله :﴿أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً﴾ [مريم : ٧٤] عند حمزة، و ﴿عَاداً الأُولَى ﴾ [النجم : ٥٠] وأما كسر " ريَّاكَ " فلئلا يُؤدِّي إلى ياء ساكنة بعد ضمَّة، وأما الضمُّ فهو الأصل، والياء قد استهلكت بالإدغام.
قوله " فيَكِيدُوا " : منصُوب في جواب النَّهي، وهو في تقدَير شرطٍ وجزاءٍ، وذلك قدَّره الزمخشريُّ بقوله :" إن قصَصْتهَا عليْهِم كادُوكَ ".
و " كَيْداً " فيه وجهان : أظهرهما : أنه مصدر مؤكدٌ، و على هذا ففي اللام في قوله :" لَكَ " خمسة أوجه : أحدها : أن يكون " يَكيدُ " ضمن معنى ما يتعدَّى باللاَّم ؛ لأنَّه في الأصل يتعدَّى بنفسه، وقال :﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً﴾ [هود : ٥٥] والتقدير : فيحتالوا لك بالكيد.
قال الزمخشري مقدِّراً لهذا الوجه :" فإن قلت : هلا قيل : فَيَكيدُوكَ " كما قيل : الفعل المضمَّن، فيكون آكد وأبلغ في التَّخويف، وذلك نحو : فيَحْتالُوا لك ؛ ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر ".
الوجه الثاني من أوجه اللاَّم : أن تكون اللاَّم معدية، ويكون هذا الفعل ممَّا يعتدَّى بحرف الجرِّ تارة، وبنفسه أخرى ؛ كـ " نَصَحَ " و " شَكَرَ " كذا قالهُ أبو حيَّان، وفيه نظر ؛ لأنَّ ذلك باب لا ينقاس، إنَّما يقتصر فيه على ما ذكره النُّحاة، ولم ْ يذكُروا منه كَادَ.
والثالث : أن تكون اللاَّمُ زائدة في المفعول به ؛ كزيادتها في قوله :﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل : ٧٢]، قاله أبو البقاء ؛ وهو وضعيفٌ ؛ لأن اللام لا تزاد إلا بأحد شرطين : تقديم المعمول، أو كون العامل فرعاً.
الرابع : أن تكون اللام للعلَّة، أي : فيَكِيدوا لأجْلِك ؛ وعلى هذا فالمفعُول محذوفٌ اقتصاراً، أو اختصاراً.
الخامس : أن تتعلَّق بمحذُوف ؛ لأنَّها حالٌ من " كَيْداً " إذ هي في الأصل يجوز أن تكون صفة له لو تأخَّرت.
١٥


الصفحة التالية
Icon