و " أحَبُّ " : خير المبتدأ، وإنَّما لم يطابق ؛ لما عرفت من حكم أفعل التَّفضيل.
وقيل : اللاَّم في :" ليُوسُفُ " : جواب القسم، تقديره : والله ليُوسف وأخُوه، والواوُ في :" ونَحْنُ عُصْبَةٌ " : للحال، فالجملة بعدها في محلِّ نصب على الحال، والعامة على رفع " عُصْبةٌ " خبراً لـ " نَحْن ".
وقرأ أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ بنصبها على أنَّ الخبر محذوف، والتقدير : ونحن نرى أو نجتمع، فتكون " عُصْبَةٌ " حالاً، إلا أنَّه قليلٌ جدًّا ؛ وذلك لأنَّ الحال لا يسدُّ مسدَّ الخبر إلا بشُروطٍ ذكرها النُّحاة، نحو : ضربي زيداً قَائِماً، وأكثر شُربِي السُّويق مَلْتُوتاً.
قال ابن الأنباري :" هذا كما تقُولُ العربُ : إنَّمَا العَامريُّ عمَّتهُ، أي : يتعمم عِمَّته ".
قال أبو حيَّان :" وليس مثله ؛ لأن " عُصْبَةٌ " ليس بمصدر ولا هيئة، فالأجود أن يكون من باب : حُكمُكَ مُسمَّطاً ".
قال شهاب الدِّين :" ليس مراد ابن الأنباري إلاَّ التشبيه ؛ من حيث إنه حذف الخبر، وسدَّ شيءٌ آخر مسدَّه في غير المواضع المُنقَاس فيها ذلكن ولا نظر لكون المنصُوب مصدراً أو غيره ".
وقال المبرد : هو من باب :" حُكمُك مُسمًّطاً " أي : لك حكمك مسمَّطاً، قال الفرزدقُ :
٣٠٥١ـ يا لهْذَمُ حُكْمُكَ مُسَمَّطاً
أراد لك حكمك مُسمَّطاً.
قال : واستعمل هذا فكثُر حتى حذفَ استخفافاً ؛ لعلم ما يريد القائل ؛ كقولك : الهلال والله، أي : هذا الهلال، والمُسَمَّط : المرسل غير المردُودِ وقدره غير المبرِّد : حكمُك ثبت مُسمَّطاً، وفي هذا المثال نظر ؛ لأن النَّحويِّين يجعلُون من شرط سدِّ الحالِ مسدّ الخير : أن لا يصلُح جعل الحالِ خبراً لذلك المبتدأ، نحو : ضَرْبِي زيداً قائماً، بخلاف :" ضَرْبِي زيْداً شديدٌ " فإنَّها ترفع على الخبريَّة، وتخرُج المسألة من ذلك، وهذه الحال، أعني :" مُسَمَّطاً " يصلح جعلها خبراً للمبتدأ، إذ التقدير : حكم مرسل لا مردودٌ، فيكون هذا المثل على ما تقرَّر من كلامهم شاذًّا.
٢٢
والعُصْبَة : ما زاد على العشرة، عن ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ ؛ وعنه : مابين العشرة إلى الأربعين.
وقيل : الثلاثة نفر، فإذا زادت على ذلك إلى تسعة ؛ فهو رهطٌ، فإذا بلغُوا العشرة فصاعداً، فعُصْبَة.
وقيل : مابين الواحد إلى العشرة.
وقيل : من عشرة إلى خمسة عشر.
وقيل : ستة.
وقيل : سَبْعَة.
والمادَّة تدلُّ على الإحاطة من العصابة ؛ لإحاطتها بالرَّأس.
فصل بيَّنُوا السبب الذي لأجله قصدوا إيذاء يوسف : وهو أن يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يفضِّل يوسف وأخاه على سائر أولاده في الحبِّ، فتأذَّوا منه لوجوه : أحدها : كانوا أكبر منه سنًّا.
وثانيها : أنَّهم كانوا أكثر قوَّة، وأكثر قياماً بمصالح الأب منهما.
وثالثها : أنَّهم القائمون بدفع المضار والآفات، والمشتغلُون بتحصيل المنافع والخيرات، وإذا كانُوا كذلك لا جرم قالوا :﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾.
قال ابن الخطيب :" وها هنا سؤالات : السؤال الأول : أن من المعلُوم أن تفضيل بعض الأولاد على بعض، يُورِث الحقد والحسد، وهما يورثان الآفات، فملا كان يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ عالماً بذلك، فلم أقدم على التفضيل ؟ وأيضاً : فالأسنُّ، والأعلم، والأنفع مقدَّم، فلم قلب هذه القضية ؟.
فالجوابك أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما فضلهما على سائر أولاده إلا في المحبَّة، والمحبَّة ليست في وسع البشر، فكان معذُوراً فيه، ولا يلحقه بسبب ذلك لومٌ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" اللَّهُمَّ هذا قسمِي فيمَا أملكُ، فلا تَلُمنِي فيمَا لا أمْلك " حين كان يحبُّ عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
السؤال الثاني : أن أولاد يعقوب كانوا قد آمنوا بكونه رسُولاً حقًّا من عند الله،
٢٣


الصفحة التالية
Icon