وأرضٌ مذْأبة : كثيرة الذِّئاب، وذُؤابةٌ الشَّعر ؛ لتحرُّكها، وتقلبها من ذلك.
وقوله :﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ : جملة حاليَّة، العامل فيها :" يَأكلهُ ".
فصل لما طلبوا منه إرسال يوسف عليه السلام معهم اعتذر إليهم بشيئين : أحدهما : ليُبَيِّن لهم أنَّ ذهابهم به مما يُحزنُه ؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعةً.
والثاني : خَوْفه عليه من الذِّب إذا غفلوا عنه برعهيم، أو لعبهم أو لقلة اهتامهم به.
فقيل : إنه رأى في النَّوم أن الذِّئب شدَّ على يوسف فكان يحذره، فألأجل هذا ذكر ذلك.
وقيل : إن الذِّئاب كانت كثيرة في أرضهم، فلما قال بعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ هذا الكلام، أجابوه بقولهم :﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ وفائدة اللام في " لَئِنْ " من وجهين : أحدهما : أن كلمة " إنْ " تفيد كون الشِّرط مستلزماً للجزاء، أي : إن وقعت هذه الواقعة، فنحن خاسرون، فهذه اللام خلت ؛ لتأكيد هذا الاستلزام.
والثاني : قال الزمخشري ـ رحمه الله ـ " هذه اللام تدلُّ على إضمار القسم، [تقديره :] والله لئن أكلهُ الذئب، لكنَّا خاسرين ".
والواوُ في :" ونَحْنُ عُصْبَةٌ " واو الحال ؛ فتكون الجملة من قوله :" وَنحْنُ عُصْبةٌ " : جملة حاليَّة.
وقيل : معترضة، و ﴿إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ جواب القسم، و " إذاً " : حرف
٣٤
جواب، وحذف جوابُ الشرط، وقد تقدَّم الكلام فيه مشبعاً.
فصل ونقل أبو البقاء : أنه قرىء " عُصْبَةً " بالنصب، وقدر ما تقدم في الآية الأولى.
في المراد بقولهم :﴿إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ وجوه : الأول :[عاجزون] ضعفاء، نظيره قوله ـ تعالى ـ :﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ [المؤمنون : ٣٤] أي : لعاجزون.
الثاني : أنهم يكونون مستحقِّين لأن يدعى عليهم بالخسارة والدَّمار، وأن يقال : أخسرهُم الله، ودمَّرهُم حين أكل الذِّئب أخاهُم وهم حاضرون عُصبةٌ : عشرةٌ تعصب بهم الأمُور، تكفي الخطوب بمثلهم.
الثالث : إذا لم نقدر على حفظ أخينا، فقد هلكت مواشينا، وخسرنا.
الرابع : أنَّهم كانوا قد أتبعوا أنفسهم في خدمة أبيهم، واجتهدوا في القيام بمهمَّاته، ليفوزوا منه بالدعاء والثناء، فقالوا : لو قصَّرنا في هذه الخدمة، فقد أحبطنا كل تلك الأعمال، وخسرنا كمل ما صدر منَّا من أنواع الخدمة.
فإن قيل : إنَّ يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ اعتذر بعذرين : شدة حبِّه، وأكل الذئب له، فلم أجابُوا عن أحدهما دون الآخر ؟ فالجواب : أن حقدهم، وغيظهم كان بسبب المحبَّة، فتغافلوا عنه.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠
قوله تعالى :﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ الآية : لا بُدَّ من الإضمار في هذه الآية في موضعين : الأول : التقدير : قالوا : لئن أكلهُ الثئب ونحن عصبةٌ إنَّا إذاً لخاسرون فأذن له، وأرسله معهم، ثم يصتل به قوله ـ تعالى ـ :﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾.
الثاني : في جواب ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ أوجه : أحدهما : أنه محذوف، أي : عرفناه، وأوصلنا إليه الطمأنينة، وقدره الزمخشريُّ :" فعلوا به ما فعلوا من الأذى " وقدره غيره : عظمت فتنتهم، وآخرون : جعلوه فيها، وهذا أولى ؛ لدلالة الكلام عليه.
الثاني : أن الجواب مثبت، وهو قوله :﴿قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا﴾ [يوسف : ١٧] أي : لمَّا كان كَيْتَ وكَيْتَ، قالوا.
وفيه بعد ؛ لبعد الكلام من بعضه.
٣٥
الثالث : أن الجواب هو قوله :" وأوْحَيْنَا " والواو فيه زائدة، أي : فلما ذهبوا به أوحينا، وهو رأي الكوفيين، وجعلُوا من ذلك قوله ـ تعالى ـ :﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات : ١٠٣] أي : تله، " ونَاديْنَاهُ "، وقوله عز وجل :﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر : ٧٣] وقول امرىء القيس :[الطويل] ٣٠٦٤ـ فَلَمَّا أحَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتحَى
بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ [ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ]