والمقْتولُ في النَّار، فَقيلَ يا رسُول اللهِ ـ هَذا القَاتِلُ فمَا بَالُ المَقْتُولِ ؟ قال : لأنَّه كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبهِ ".
قال ابن الخطيب : وقال المُحققُونَ من المُفسِّرين، والمتكلِّمين : إنَّ يُوسفَ ـ عليه الصلاة والسلام ت كان بَرِيئاً من العملِ البَاطلِ، والهَمّ المُحرَّم، وبه نقولُ، وعنه نذبُّ، والدلائل الدَّالةُ على وُجوبِ عصمة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مذكورة مقرّرة ونزيد هاهنا وجوههاً : الأول : أن الزِّنا من منكرات الكبائرِ، الخيانةٌ في معرض الأمانةِ أيضاً من منكرات الذُّنوبِ وأيضاً : الصبيُّ إذا تربَّى في حجر الإنسان، وبقي مكفيَّ المؤنةِ، مصون العرضِ من أوَّلِ صباهُ إل زمان شبابه، وكما قوَّته، فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المفضل من منكرات الأعمال، وإذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية إذا نسبوها إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت موصوفة بجميع الجهالات، ومثلُ هذه المعصية إذا نسيت إلى أفسقِ خلقِ الله، وأبعدهم من كلِّ حسنٍ، لا ستنكف منه، فكيف يجوز إسنادهُ إلى الرَّسولِ المُؤيّد بالمعجزات الباهرة مع قوله تعالى :﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّواءَ وَالْفَحْشَآءَ﴾ وأيضاً فلا يليق بحكمة الله تعالى وذلك يدلُّ على أنَّ ما هيَّة السُّوء، ما هية الفحشاء مصروفةٌ عنه، والمعصية التي نسوها إليه أعظم أنواع السوء، والفحشاء، وأيضاً فلا يليق بحمة الله ـ تعالى ـ أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية، ثم يمدحه، ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب ما حكى عنه ذلك الذَّنب العظيم، فإنَّ مثاله ما إذا حكى السطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب، وأفحش الأعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم، والثناءِ البالغ عقيبه، فإنَّ ذلك متسنكرٌ جدًّا، فكذا هاهنا.
وأيضاًَ : فإن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ متى صدرت عنهم زلةٌ، أو هفوةٌ ؛ استعظموا ذلك، وأتبعوه بإظهار النَّدامةِ، والتوبة، والتَّواضع، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة، لكان من المحال أن لا يتبعها بالتَّوبةِ، والاستغفار، ولو أتى بالتَّوبةِ لحكى الله ذلك عنه كما في سائر المواضع، وحيثُ لم يقع شيءٌ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب، ولا معصية.
وأيضاً : فكلُّ من كان له تعلق بهذه الواقعة، فقد شهد ببراءة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن المعصية، والذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف والمرأة وزوجها، والنسوة الشهود، ورب العالم، وإبليس.
٦٣