اللام : ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر أي : الذين أخلصوا دينهم لله على اسم الفاعلِ، والمفعول محذوفٌ، والباقون بفتحها على أنَّه اسم مفعولٍ من أخصلهم الله، أي : اجتباهم، واختارهم، وأخلصهم من كلِّ سوءٍ، ويحتمل أن يكون لكونه من ذرية إبراهيم قال فيهم :﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [ص : ٤٦].
وقرأ الكوفيُّون في مريم ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً﴾ [مريم : ٥١] بفتحِ اللاَّم بالمعنى المقتدِمِ والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم.
قوله تعالى :﴿وَاسُتَبَقَا الْبَابَ﴾ [الآية : ٢٥] " البَابَ " منصوبٌ إمَّا على إسقاطِ الخافض اتّساعاً، إذ أصلُ " اسْتبَقَ " أن يتعدَّى بـ " إلى "، وإما على تضمين " اسْتَبقَ " معنى ابتدر، فينصب مفعولاً به.
قوله تعالى :﴿وَقَدَّتْ﴾ يحتمل أن تكون الجملة نسقاً على " اسْتبقَا " أي : استبق، وقدت، ويحتمل أن يكون في محل نصب على الحال، أي : وقد قدَّت.
والقدّ : الشَّقُّ مطلقاً، قال بعضهم : القدُّ : فيما كان يشقُّ طولاً القطُّ : فيما كان يشقُّ عَرْضاً.
قال ابن عطية " وقرأت فرقة : وقَطّ " قال أبو الفضل بنُ حربٍ : رأيت في مصحب " وقطَّ مِنْ دبُرٍ " أي : شقَّ.
قال يعقوب : القطُّ في الجلدِ الصحيح، والثوب الصحيح ؛ وقال الشاعر :[الطويل] ٣٠٧٧ـ تَقُدُّ السَّلُوقيَّ المُضاعفَ نَسْجهُ
وتُوقِدُ بالصفَّاحِ نَارَ الحُباحِبِ
فصل قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ وهذا الكلامْ من اختصار القرآن المعجز الذي يجتمع فيه المعاني، وذلك أنَّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما رأى برهان ربِّه، خرج حينئذ هارباً، وتبعته المرأة فتعلقت بقميصه من خلفه، فجذبته إليها حتى لا يخرج " وقدَّتْ قَميصَهُ " [أي] : فشققته المرأة من دبر.
والاستباقُ : طلبُ السَّبْق، أي : يجتهدُ كلُّ واحدٍ منهما أن يسبق صاحبهُ فإن سبق يوسف فتح الباب، وخرج، وإن سبقت المرأةُ أمسكتِ الباب لئلا يخرج فسبقها يوسف ـ عليه السلام ـ إلى الباب، والمرأة تعدو خلفه، فلم تصلْ إلا إلى دبر القميص، فتعلقت به فقدته من خلفه، فلمَّا خرجا " ألْفَيَا "، أي : وجدا " سيِّدهَا "، وإنما لم يقل سيدهما ؛ لأنَّ
٧٠
يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن مملوكاً لذلك الرجل حقيقة " لَدى البابِ " أي : عند البابِ، والمرأة تقول لبعلها : سيِّدي.
فإن قيل : فالمرأةُ أيضاً ليست مملوكة لبعلها حقيقة.
فالجواب : أن الزَّوج لما ملك الانتفاع بالمرا' من الوطء والخلوةِ، والمباشرةِ، والسفر بها من غير اختيارها أشبهت المملوكة، فلذلك حسن إطلاقُ السيِّد عليه.
قال القرطبيُّ :" والقبط يسمون الزوج سيداً، ويقال : ألفاه، وصادفهُ، وواله ووَالطَه، ولاطَهُ، وكلٌّ بمعنى واحدٍ ".
فعند ذلك، خافتِ المرأةُ من التُّهمِ، فبادرت إلى أن رمتْ يوسف ـ عليه السلام ـ بالعفلِ القبيح، ﴿وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً﴾ يعنى الزِّنا، ثم خافت عليه أن يقتل فقالت :﴿إلاَّ أن يُسجنَ﴾، أي : يحبس، ﴿أوْ عذابٌ أليمٌ﴾ أي : يُعَاقبُ بالضَّربِ.
قوله :" مَا جزاءُ " يجوز في " مَا " هذه أن تكون نافية، وأن تكون استفهاميَّة، و " مَنْ " يجوز أن تكون موصولة، أو نكرة موصوفة.
قوله :" إلاَّ أن يُسْجنَ " خبر المبتدأ، ولما كان " أن يُسْجنَ " في قوَّة المصدر عطف عليه المصدر، وهو قوله :" أو عذابٌ ".
و " أوْ " تحتملُ معانيها، وأظهرها التنويع.
وقرأ زيد بن علي :(أو عذاباً أليماً] بالنصب، وخرَّجه الكسائي على إضمار فعل، أو أن يعذَّب عذباً أليماً.
قوله :" هِيَ " ولم يقل هذه، ولا تلك، لفرط استحايئه " وهو أدبٌ حسنٌ حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور.
فصل قال ابن اخلطيب : في الآية لطائف : إحداها : أن حُبَّها الشَّديد ليوسف، حملها على رعايةِ دقيقتين في هذا الموضع، وذلك لأنهَّا بدأت بذكر السِّجن، وأخرت ذكر العذاب ؛ لأنَّ المحبَّة لا تسعى في إيلام المحبوب، وأيضاً : لم تقل إنَّ يوسف يجب أن يقابل بهذين الأمرين، بل ذكرت ذلك ذكراً كليًّا صوناً للمحبوب عن الذِّكر بالشر وأيضاً قالت :" إلاَّ أنْ يُسْجنَ " والمرادُ أن يسجن يوماً، أو يومين، أو أقل على سبيل التخفيف، فأمَّا الحبسُ الدَّائمُ فإنَّه لا يعبِّر عنه بهذه العبارة، بل يقال : يجبُ أن يجعل من المسجونين، كما قال فرعون لموسى ـ عليه
٧١