أحسنها : أنَّه ضميرٌ يعود على " السَّجْن " فتح السِّين، أي : ظهر لهم حبسُه ؛ ويدلُّ على ذلك اللَّفظ بـ : السِّجْن " في قراءةِ العامَّة، وهو بطريقِ اللازمِ، ولفظ " السَّجْن " في قراءةِ العامَّة، وهو بطريقِ اللازمِ، ولفظ " السَّجْن " في قراءة من فتح السين.
والثاني : أنَّ الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل ؛ وهو " بَدَا "، أي : بدا لهُم بداءٌ، وقد صرَّح الشاعرُ به قول قوله :[الطويل] ٣١٠٥ـ.................
بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٩٧
والثالث : أنَّ الفاعل مضمرٌ يدلُّ عليه السِّياقُ، أي : لهم رأيٌ.
والرابع : أنَّ نفس الجملة من " لَيَسْجننَّهُ " هي الفاعل، وهذا من أصولِ الكوفيين، وهذا يَقْتضِي إسنادَ الفعلِ إلى فعلٍ آخر ؛ واتفق النحاة على أنَّ ذلك لا يجوزٌ.
فإذا قلت :" خَرَجَ ضَرَبَ "، لم يفذْ ألبتة، فقدَّروا : ثمُّ بدا لهم سجنهُ، إلاَّ أنه أقيمَ هذا الفعل مقام ذلك الاسم.
قال ابنُ الخطيب : الاسمُ قد يكون خبراً ؛ كقولك : زيدٌ قائمٌ، فـ " قائم " اسمٌ وخبرٌ، فعلمنا أنَّ كون الشيءِ خبراً، لا ينافي كونه مخبراً عنه، وفي هذا الباب شكوكٌ : أحدها : أنَّا إذا قلنا :" ضَرَبَ فَعَلَ "، والمخبر عنه بأنَّه فعل هو ضرب، فالفعل صار مُخْبراً عنه.
فإن قالوا : المخبر عنه هو هذه الصيغةُ، وهذه الصيغة اسم، فنقول : فعلى هذا التقدير ؛ يلزم أن يكون المخبر عنه بأنه فعل هو هذه الصيغة وهذه الصيغة اسم، لا فعلٌ، وذلك كذبٌ باطلٌ، بل نقول : المخبر عنه بأنه فعلٌ : إن كان فعلاً، فقد ثبت أنَّ الفعل يصحُّ الإخبار عنه، وإن كان اسماً، كان معناه : أنَّا أخبرنا عن الاسم بأنه فعلٌ، وذلك باطلٌ.
و " حتَّى " : غاية لما قبله، وقوله :" ليَسْجُنُنَّهُ " ؛ على قول الجمهور : جوابٌ لقسم محذوفٍ، وذلك القسم وجوابه معمولٌ لقولٍ مضمرٍ، وذلك القول المضمر في محلِّ نصبٍ على الحالِ، أي : ظهر لهم كذا قائلين : والله، لنَسْجُننَّهُ حتَّى حينٍ.
وقرأ الحسن :" لتَسْجُنُنَّهُ "، بتاء الخطاب، وفيه تأويلان : أحدهما : أن يكون خاطب بعضهم بعضاً بذلك.
والثاني : أن يكون خُوطبَ به العزيزُ ؛ تعظيماً له.
وقرأ ابنُ مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ :" عَتَّى " بإبدال حاءِ " حتَّى " عيناً، وأقرأ بها
٩٨
غيره، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ فكتب إليه :" إنَّ هَذَا القُرآنَ نَزلَ بلُغةِ قُريشٍ فأقْرىءِ النَّاس بُغتِهِمْ " وإبدالُ الحاءِ عيناً لغةٌ هُذيلٍ.
فصل في معنى الآية المعنى : ثُمَّ بَدَا للعزيزِ، وأصحابه في الرأي ؛ وذلك أنَّهم أرادوا أن يقتصروا من أمر " يُوسفَ " على الإعراض عنه، ثم بدا لهم أن يحبسُوه من بعد ما رأوا الآياتِ الدَّالة على براءةِ " يُوسفَ " من : قدِّ القميصِ، وكلام الشَّاهِد، وقطع النساءِ أيديهنَّ، وذهابِ عقولهنَّ " ليَسْجُنُنَّهُ حتَّى حِينٍ " : إلى مُدَّةٍ يرون فيهَا رأيهم.
وقال عطاء عن ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهم ـ : إلى أن تنقطع قالة النَّاس، قال عكرمةٌ : تِسْع سِنينَ، وقال الكلبيُّ : خمس سنين.
قال السديُّك وذلك أنَّ المرأة قالت لزوجها : إنَّ هذا العبرانيَّ قد فَضحَنِي في الناس ؛ يُخْبرهم بأنِّي رَاودْتُه عن نفسه، فإمَّا أن تأذن لي أن أخرج، فأعتذرَ إلى الناسِ، وإما أن تحبسه، فحبسه.
قال ابنُ عبَّاس ـ عَثرَ يُوسفُ ثلاثَ عثراتٍ : حِينَ هَمَّ بها ؛ فسُجِنَ، وحين قال :﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾ [يوسف : ٤٢] ؛ ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف : ٤٢]، وحين قال لإخوته :﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [يوسف : ٧٠] ؛ ﴿قَالُوا ااْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف : ٧٧].
قوله :﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ﴾ يوسف : ٣٦] قيل : هما غُلامانِ للملك الأكبر بمصر : أحدهما : خَبَّازٌ، صاحبُ طعامه.
والآخر : صاحبُ شَرابه، غضب الملكُ عليهما فحَبسَهُما.
قوله :" قَالَ أحَدهُمَا " : مُسْتأنفٌ لا محلَّ له، ولا يجوز أن يكون حالاً ؛ لأنهما لم
٩٩


الصفحة التالية
Icon