منصًوباً ؛ لأنه من حيثُ العطف عليه يكونُ من جملة مميز سبع ومن جهة كونه أخر يكون مبايناً لسبع فتدافعا ولو كان ترتيبُ الآية الكريمة سبع سُنبلآتٍ خُضرس ويابِساتٍ، لصحَّ العطف، ويكون من توزيع السنبلات إلى هذينِ الموضعين أعني : الاخضرار واليبس.
وقد أوضح الزمخشريُّ هذا حيث قال :" فإن قلتَ : هل يجوز أن يعطف قوله " وأخَرَ يَابسَاتٍ " على " سُنْبُلاتٍ خُضرٍ "، فيكون مجرور المحلِّ ؟ قلت : يؤدِّي إلى تدافع ؛ وهو أنَّ عطفها على " سُنبُلاتٍ خُضرٍ " يقتضي أن يكون داخلاً في حكمها فيكون معها مميز السبع المذكور، ولفظ " أخَر " يقتضي أن يكون غير السَّبْعِح بيانه تقول عنده سبعة رجال قيام وقعود بالجر فيصحّ لأنك ميَّزت السبعة برجالٍ موصوفين بالقيام والقعودِ على أنَّ بعضهم قيام، وبعضهم قعودٌ، فلو قلت : عنده سبعةٌ قيامٌ وآخرين قعودٌ ؛ تدافع ؛ ففسد ".
قوله للرُّؤيَا فيه أربعة أقوالٍ : أحدهما : أن اللام فيه مزيدة، فلا تعلق لها بشيء ؛ وزيدت لتقدم المعمول مقوية للعامل ؛ كما زيدت فيه إذا كان العامل فرعاً ؛ كقوله تعالى :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [هود : ١٠٧]، ولا تزاد فيما عدا ذنبك إلا ضرورة ؛ كقوله :[الوافر] ٣١٠٧ـ فلمَّا أنْ تَوافَيْنَا قَلِيلاً
أنَخْنَا للكَلاكِلِ فارْتَمَيْنَا
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١١٢
يريد : أنخنا الكلاكِلَ، فزيدت مع فقدان الشرطين، هكذا عبارة بعضهم يقول : إلا في ضرورة.
وبعضهم يقول : الأكثر ألاَّ تزاد، ويتحرزُ من قوله تعالى ﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل : ٧٢]، لأنَّ الأصل : ردفكُم، فزيدتْ فيه اللامُ، ولا تقدم، ولا فرعيَّة، ومن أطلق ذلك جعل الآية من باب التَّضمين، وسيأتي في مكانه ـ إن شاء الله تعالى ـ، وقد تقدم من ذلك طرفٌ جيدٌ.
الثاني : أن يضمَّن تعبرون معنى ما يتعدَّى باللام، تقديره أي : إن كنتم تنتدبون لعبارةِ الرؤيا.
الثالث : أن يكون " للرُّؤيا " خبرُ " كنتم " ؛ كما تقول :" كان فلانٌ لهذا الأمرِ "، أي : إذا استقلّ به متمكِّناً منه، وعلى هذا فيكون في " تَعْبرُونَ " وجهان : أحدهما : أنًَّهُ خبر ثانٍ لـ " كُنْتُمْ ".
الثاني : أنه حالٌ من الضمير المُرتفعِ بالجار ؛ لوقوعه خبراً.
الرابع : أن تتعلق اللام بمحذوفٍ على أنَّها للبيان ؛ كقوله تعالى ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ
١١٥
الزَّاهِدِينَ﴾
[يوسف : ٢٠] تقديره : أعني فيه، وكذلك هذا، تقديره : أعني للرُّؤيا، وعلى هذا يكون مفعولُ " تَعْبُرُونَ " محذوفاً تقديره : تعبرونها.
وقرأ أبو جعفر : الرُّيَّا [وبابها الرؤيا] بالإدغام ؛ وذلك أنَّه قلب الهمزة واواً ؛ لسكونها بعد ضمةٍ، فاجتمعت " واوٌ "، و " ياءٌ " وسبقت إحداهما بالسكون ؛ فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياءُِ في الياءِ.
وهذه القراءة عندهم ضعيفةٌ ؛ لأن البدل غير لازمٍ، فكأنَّه لم يوجد واوٌ ؛ نظراً إلى الهزة.
فصل في معنى " تعبرون " يقال : عَبَرْتُ الرُّؤيَا أعبرها عبارة، وعبَرةً بالتخفيف، قال الزمخشريُّ :" وهو الذي اعتمدهُ الأثباتُ، ورأيتهم يُنْكِرُونَ " عَبَّرتُ " بالتشديد، والتَّعبير والمُعبِّر " قال : وقد عثرتُ على بيتٍ أشده المبرِّد في كتاب الكاملِ لبعضِ الأعرابِ :[السريع] ٣١٠٨ـ رَأيتُ رُؤيَا ثُمَّ عبَّرتُهَا
وكُنْتُ للأحْلامِ عَبَّارَا
قال وحقيقة تعبير الرؤيا : ذكرُ عاقبتها، وآخر أمرها ؛ كما تقول : عبرتُ النَّهر إذا قطتعهُ حتَّى تبلغ آخرَ عرضه.
قال الأزهريُّ :" مأخوذٌ من العُبْرِ، وهو جانبُ النَّهر، ومعنى عبرتُ النَّهرَ والطريق : قطعتهُ إلى الجانب الآخر، فقيل لعابرِ الرؤيا : عابرٌ ؛ لأنَّه يتأمل جانبي الرُّؤيا، ويتفكرُ في أطرافها وينتقل من أحد الطَّرفين إلى الآخر ".
قال بعضُ أهل اللغة : العينُ، والباءُ، والراءُ، تضعها العرب : لجوار الشيء، ومضيفه، وقلَّة تمكنه، ولبثه، وهو فعل، يقال : عبر الرؤيا : أخرجها من حال النَّوم إلى حال اليقظةِ، كعبور البحر من جانب إلى جانبٍ.
وناقة عبراء سفار، أي : يقطعُ بها الطريق ويعبرُ.
والشِّعرى : العبُورُ ؛ لأنها عبرت المجرَّة.
والاعتبارُ بالشيء : هو التَّمثيلُ بينه وبين حاكيه.
والعبرةُ : الدَّمعةٌ ؛ لعبورها العين، وخروجها من الجفنِ.
والعَنْبَرُ : منهح لأنَّ نونه زائدةٌ، وهو عبر لحي طفاوة على الماء لا يعرف معدته.
١١٦


الصفحة التالية
Icon