قال الأعلمُ الشَّنتمَرِيُّ : العِيرَات هنا موضع الأعيار، وهي الحمر.
قال شهابُ الدِّين :" وفي عِيرَات " شذوذ آخر، وهو جمعها بالألف، والتَّاء مع جمعها على أعيار أيضاً جمع تكسيرٍ، وقد نصُّوا على ذلك، قيل : ولذلك لحن المتنبي في قوله :[الطويل] ٣١٢٣ـ إذَا كَانَ بَعَث النَّاسِ سُيْفاً لِدوْلَةٍ
فَفِي النَّاس بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ
قالوا : فجمع :" بُوقاً " على :" بُوقَات " مع تكسيرهم له على " أبْوَاق ".
وقال أبُو الهيثم :" كلُّ ما يسير عليه من الإبل، والحمير، والبغال فهو عير خلافاً لقول من قال : العيِرُ : الإبلُ خاصَّة ".
فإن قيلك هل كان ذلك النداء بأمر يوسف عليه السلام، أو ماكان بأمره ؟ فإن كان بأمره فكيف يليق الرًَّسُول الحق من عند الله أن يتهمهم وينسبهم إلى السرقة كذباً وبهتاناً ؟.
وإنْ لم يكن بأمره، فهلا أظهر براءتهم عن تلك التُّهمةِ ؟.
فالجواب من وجوه : الأول : ما تقدَّم من أنَّه ـ صولات الله وسلامه عليه ـ أظهر لأخيه أنَّه يوسف وقال : لا سبيل إلى حبسك هنا إلاَّ بهذه الحيلة، فرضي أخوهُ بها، ولم يتألم قلبه.
والثاني : أراد إنكم لسارقون يوسف من أبيه، والمعاريض لا تكون إلا كذلك.
والثالث : أن [المؤذن] إنما نادى مستفهماً.
والرابع : ـ هو الظاهر ـ أنَّهم نادوا من عند أنفسهم ؛ لأنهم طلبوا السِّقاية فلم يجدوها، ما كان هناك غيرهم، فغلب على ظنهم أنَّهم هم الَّذين أخذوها، وليس في القرآن أنَّهم نادوا عن أمر يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
وقيل : إنَّهم لما كانوا باعوا يوسف استجاز أن يقال لهم هذا، وأنَّه عوقب على ذلك بأن قالوا :﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف : ٧٧].
١٦١
وقيل : أراد أيتها العيرُ حالكم حال السارق، والمعنى : إن شيئاً لغيركم صار عندكم، من غير رضى الملك، ولا علم له.
وقيل : إنَّ ذلك كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه، وفصله عنهم إليه، وهذا بناءً على أنَّ بنيامين لم يعلم بدسّ الصَّاع في رحله، ولا أخبره بنفسه.
وقيل : معنى الكلامِ : الاستهفام، أي : أو إنكم لسارقون، كقوله :﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ [الشعراء : ٢٢] والغرضُ ألا يعزى الكذب إلى يوسف.
فإن قيل : كيف رضي بنيامين بالقعود طوعاً، وفيه عقوق الأب بزيادة الحزن، ووافقه على ذلك يوسف ؟.
فالجواب : أنَّ الحزن كان قد غلب على يعقوب بحيث لا يؤثِّر فيه فقد بنيامين كل التأثير، ألا تراهُ لما فقده قال :﴿يا أسفا على يوسف﴾، ولم يعرج على بنيامين ولعلَّ يوسف إنَّما وافقه على القعود بوحي، فلا اعتراض.
قوله :﴿وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ﴾ هذه الجملة حاليةٌ من فاعل قالوا أي : قالوا : وقد أقبلوا، أي : في حال إقبالهم عليهم.
﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ تقدم الكلام على هذه المسألة أوَّل الكتاب.
وقرأ العامة :" تَفْقِدُونَ " بفتح حرف المضارعة ؛ لأن المستعمل منه " فَقَدَ " ثلاثياً وقرأ السلميُّ بضمةٍ من أفقدتُّه إذا وجدته مفقوداً كأحمدتهُ وأبخلته، [إذا] وجدته محموداً وبخيلاً.
وضعَّف أبو حاتمٍ هذه القراءة، ووجهها ما تقدَّم.
قوله :﴿نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ﴾ " الصَّواعُك هو المِكْيَال، وهو السِّقاية المتقدِّمة سمَّاه تارة والسِّقايةُ : وصفٌ.
وقيل :" ذُكِّرَ ؛ لأَنَّه صاعٌ، وأنْثَ لأنَّهُ سِقايَة.
والصّواع السّقاية : إناءٌ له رأسان في وسطه مقبض، كان الملك يشربُ منه من الرَّأسِ الواحدة ويكالُ الطَّعام بالرَّأسِ الآخرِ.
١٦٢
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كلُّ شيء يُشربُ به فهو صُواعٌ ؛ وأنشد :[الخفيف] ٣١٢٤ـ نَشْرَبُ الخَمْرَ بالصُّواعِ جِهَاراً
....................
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١٥٩


الصفحة التالية
Icon