وقد جوَّز أبو البقاء ما توهم أنَّهُ جواب عن ذلك فقال : والوجه الثالث : أن يكون " جَزاؤهُ " مبتدأ، و " مَنْ وُجِدَ " متبدأ ثان، و " هُوَ " مبتدأ ثالثُ، و " جَزَاؤهُ " خير الثالث، والعائدُ على المبتدأ الأول الهاء الأخيرة وعلى الثاني " هُوَ " انتهى.
وهذا الذي ذكره أبو البقاء لا يصح ؛ إذ يصير التقدير : فالذي وجد في رحله جزاؤه الجزاء ؛ لأنَّه جعل " هُوَ " عبارة عن المبتدأ الثاني، وهو :﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ وجعل الهاء الأخيرة، وهي التي في :" جَزاؤهُ " الأخير عائدةٌ على :" جَزاؤهُ " الأوَّل، فصار التقدير كما ذكرنا.
الوجه الثاني من الأوجه المتقدمة : أن يكون :" جَزَاؤهُ " مبتدأ، والهاء تعود على المسروق، و ﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ خبره، و " مَنْ " بمعنى الذي، والتقدير : جزاء الصّواع الذي وجد في رحله.
ولذلك كانت شريعتهم يسترق السَّارق ؛ لذلك استفتوا في جزائه، وقوله :﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ متبدأ، وخبر مؤكدٌ لمعنى الأولد، ولما ذكر أبو حيَّان هذا الوجه ناقلاً له عن الزمخشريُّ، قال :" وقال معناه ابنُ عطيَّة إلاَّ أنَّهُ جعل القول الواحد قولين، قال : ويصحُّ أن يكون " مَنْ " خبراً على أن المعنى : جزاء السَّارق من وجد في رحله، ويكون قوله :﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ زيادة بيانٍ وتأكيد، ثم قال : ويحتمل أن يكون التقدير : جزاؤه استرقاق من وجد في رحله، ثم يؤكد قوله :﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾، وهذا القول هو الذي قبله غير أنَّهُ أبرز المضاف المحذوف في قوله : استرقاق من وجد في رحله، وفيما قبله لا بدَّ من تقديره ؛ لأنَّ الذَّات لا تكُون خبراً عن المصدرِ، فالتَّقدير في القول قبله : جزاؤهُ أخذ من وجد في رحله أو استرقاقه، هذا لا بُدَّ منه على هذا الإعراب.
وهذا ظاهره، أنه جعل المقول الواحد قولين.
الوجه الثالث من الأوجه المتقدمة : أن يكون :" جَزاءهُ " خبر مبتدأ محذوف أي : المسئول عنه جزاؤه، ثمَّ أفتوا بقولهم :﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ كما تقول : من يَسْتَفتِ] في جزاء صَيْدِ المحرمِ جزاءُ صَيْدِ المحرمِ، ثمَّ يقول :﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة : ٩٥] قاله الزمخشري.
١٦٧
قال أبو حيَّان :" وهو متكلف، إذ تصير الجملة من قوله " المسئول عنه جزاؤه " على هذا التقدير، ليس فيه كبير فائدة، إذ قدلم علم من قوله :" فما جَزاؤهُ " أي الشيء المسئولُ عنه جزاء سرقته، فأيُّ فائدة في نطقهم بذلك، وكذلك القول في المثال الثَّاني الذي مثل به من قول المستفتي ".
قال شهابُ الدِّين :" قوله :" ليس فيه كبيرة فائدة " ممنوعٌ، بل فيه فائدة الإضمار المذكور في علم البيان، وفي القرآن أمثال ذلك ".
الوجه الرابع : أني كون " جَزَاؤهُ " مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره : جزاؤه عندنا كجزائه عندكم، والهاء تعود على السَّارق، أو على المسروق، وفي الكلام المتقدِّم دليل عليهما، ويكون قوله :﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ على ما تقدَّم في الوجه الذي قبله وبها الوجه بدأ أبُوا البقاءِ ـ رحمه الله ـ ولم يذكره الشَّيخُ.
قوله :﴿كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ محل الكاف نصب إمَّا على أنَّها نعت لمصدر محذوفٍ، إمَّا حال من ضميره، أي : مثل ذلك الجزاء الفضيع نجزي الضالمين أي : إذا سرق استرق.
قيل : هذا من بقيَّة كلام أخوة يوسف صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل : إنهم لما قالوا :﴿جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ قال أصحاب يوسف :﴿كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ ماليس لهم فعلُهُ من سرقة مال الغير، فعند ذلك قال لهم المؤذن : لا بُدَّ من تفتيش أوعيتكم، فانصرف بهم إلى يوسف.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١٥٩
﴿فَبَدَأَ﴾ يوسف :﴿بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ لإزالة التُّهمة.
قرأ العامة :" وعَاءِ " بكسر الواو.
وقرأ الحسن بضمها، وهي لغةٌ نقلت عن نافع أيضاً، وقرأ سعيد بن جبير :" مِنْ إعَاءِ أخيهِ " بإبدال الواو همزة وهي لغة هذيليَّة،
١٦٨