وعن مجاهدٍ : لا تفتر ؛ قال الزمخشريُّ : كأنه جعل الفُتُوء، والفُتُورَ أخوين، كما تقدَّم عن ابنِ قتيبة، وفيهما لغتان :" فَتَأ " على وزن " ضَرَبَ "، و " أفْتَأ " على وزن " أكْرَمَ "، ويتكون تامَّة بمعنى :" سَكَنَ وأطْفَأ " كذا قاله ابنُ مالكٍ.
وزعم أبُو حيَّان : أنه تصحيفٌ منه، وإنَّما هي فَثَأ بالثَّاءِ المثلثة، ورسمت هذه اللَّفظة " تَفْتَؤ " بالواو، والقياس " تَفْتَأ " بالألفن وكذلك يوقف لحمزة بالوجهين اعتباراً بالخطِّ، والقياس.
قوله :" حَرَضاً " : الحَرَضُ : الإشفاءُ على الموت، يقال منه : حَرَضَ الرَّجلُ يحرُض حرضاً بفتح الرَّاء، فهو حرض بكسرهَا، فالحرض مصدر من هذه المادَّة فيجيء في الآية الأوجه التي في " رجُلُ عدلٌ " كما تقدم.
ويطلق المصدر من هذه المادَّة على :" الحُثث " إطلاقاً شائعاً ؛ ولذلك يستوي فيه المفرد، والمثنى، والمجموع، والمذكر، والمؤنث، تقول : هو حرضٌ، وهما حرضٌ وهُم حَرَضٌ، وهي حَرَضٌ، وهُنَّ حَرَضٌ ؛ ويقال : رجلٌ حُرُضٌ بضمتين، نحو : جُنُب، وشُلْل.
ويقال : أحْرَضهُ كذا، أي أهلكهُ ؛ قال :[البسيط] ٣١٣٨ـ إنِّي أمرؤُ لجَّ بِي حُبِّ فأحْرَضنِي
حتَّى بَلِيتُ وحتَّى شَفَّنِي السَّقمُ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١٨٧
فهو مخرض..
قال الشَّاعر :[الطويل] ٣١٣٩ـ أرَى المَرْءَ كالأذْوَادِ يُصْبحُ مُحْرَضاً
كإحْرَاضِ بكرٍ في الدِّيارِ مَريضِ
وقرأ بعضهم " حَرِضاً " بكسر الرَّاء.
وقال الزمخشريُّ :" وجاءت القراءة بهما جميعاً " يعنى بفتح الراء، وكسرها.
وقرأ الحسن :" حُرُضاً " بضمتين، وقد تقدَّم أنه كـ :" جُنُبٍ، وشُلُلٍ "، وزاد الزمخشريُّ : وغُرُب ".
وقال الراغب : الحَرَض : ما لا يعتدُّّ به، ولا خيرَ فِيهِ، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك : حَرَض، قال تعالى :﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ [يوسف : ٨٥]، وقد أحرصهُ كذا قال الشَّاعر :[البسيط]
١٩١
٣١٤٠ـ إنِّي امْرُؤٌ لجَّ بِي همٌّ فأحْرَضْنِي
والحُرْضَة : من لا يأكل إلاَّ لحم الميسر لنذالتهِ، والتَّحريضُ : الحثُّ على الشَّيء بكثرة التَّزيينِ، وتسهيل الخطب فيه، كأنَّه إزالة الحرض نحو : قَذَّيتُه، أي : أزلتُ عنه القَذَى، وأحرضتهُ : أفسدتهُ، نحو : أقذيتهُ : إذا جعلت فيه القَذَى " انتهى ".
والحُرُضُ : الأشنانُ، لإزالته الفساد، والمِحْرضَة : وعاؤه، وشذوذها كشذوذ : مُنْخُل، ومُسْعُط، ومُكْحُلة.
وحكى الواحديُّ عن أهل المعاني : أنَّ أصل الحَرَض : فساد الجسم، والعقل للحزن، والحبِّ، وقولهم : حرَّضتُ فلاناً على فلانٍ، تأويله : أفسدته وأحميته عليه، قال الله تعالى :﴿حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ [الأنفال : ٦٥].
وإذا عرفت هذا فوصف الرَّجُل بأنه حرض إمَّا أن يكون المراد منه : ذو حرض فحذف المضاف، أو المراد منه : أنَّه لما تناهى في الفسادِ، والضعفح فكأنَّه صار عين الحرض، ونفس الفسادِ، وأمَّا الحَرِض ـ بكسر الراء ـ فهو الصِّفة كما قرىء بها وللمفسِّرين فه عباراتُ : أحدها : الحَرَض، والحَارِضُ، وهو الفساد في جسمه، وعقله.
وثانيها : قال نافع بن الأزرق : سئل ابنُ عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ فقال : الفاسد الرَّأي.
وثالثها : أنه هو الذي يكون لا كالأحياء، ولا كالأموات.
وذكر أبو روق أنَّ أنس بن مالك قرأ :﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ بضمِّ الحاء وسكن الرَّاء.
ثم قال تعالى :﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ من الأموات، والمعنى : لا تزال تذكر يوسف بالحزن، والبكاء عليه حتى تصير بحث لا تنتفع بنفسك، أو تموت من الغمّ، وأرادوا بذلك منعه من كثرةِ البُكاءِ، والأسف.
فإن قيل : لم حلفوا على ذلك مع أنَّهم لم يعلموا ذلك قطعاً ؟.
فا االجواب : أنَّهم بنوا الأمر على الظَّاهر.
قال المفسِّرون : القائل هذا الكلام، وهوقوله :﴿تالله تفتؤ تذكر يوسف﴾ هم إخوة يوسف، وقال بعضهم : ليسوا الإخوة، بل الجماعة الذين كانوا في الدَّار من أولاده وخدمه، فقال يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿إنما أشكو بثي وحزني إلى الله﴾ والبَثُّ : أشدُّ الحزن، كأنَّه لقوته لا يطاق حمله، فيبثه الإنسان، أي : يفرِّقه، ويذيعه وقد تقدَّم [آل
١٩٢


الصفحة التالية
Icon