غير أن يبعث معهم رجلاً عاقلاً يمنعهم عمَّا لا ينبغي، ويحملهم على ما ينبغي ".
قوله :﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ﴾ عليكم يجوز أن يكون خبر " لاَ " و " اليَوْمَ " يحتمل أن يتعلق بما تعلَّق به هذا الخبر أي : لا تثريب مستقرٌ عليكم ويجوز أن يكون " اليَوْمَ " خبر " لاَ "، و " عَليْكُمْ " متعلق بما تعلق به هذا الظرف ويجوز أن يكون :" عليكم " صفة لاسم :" لا "، و " اليَوْمَ " خبرها أيضاً ولا يجوز أن يتعلق كل من الظرف، والجار بـ :" تَثْرِيب " ؛ لأنه يصيرُ مطولاً شبيهاً بالمضاف ومتى كان كذكل أعرب ونُوِّن، نحو :" لا خَيْراً من زَيْدٍ عندكَ " ويزيدُ عليه الظرف بأنه يلزم الفصل بين المصدر المؤول بالموصول، ومعموله بأجنبي وهو :" عَليْكُمْ " لأنه إما خبر وإما صفة.
وقد جوَّز الزمخشريُّ : أن يكون الظَّرف متعلقاً بـ : تَثْرِيبَ " فقال : فإن قلنا : بم يتعلق " اليوم " ؟ قلت : بالتثريب، أو بالمقدر في " عَليْكُم " من معنى الاستقرار أو بـ : يَغْفِرُ "، فجعله أنه متعلق بـ " تَثْرِيب " وفيه ما تقدَّم.
وقد أجرى بعضهم الاسم العامل مجرى المضاف لشبهه به، فنزع ما فيه من تنوين أو نون ؛ وجعل الفارسيُّ من ذلك قول الشاعر :[الطويل] ٣١٥٠ـ أرَانِي ولا كُفْرانَ للهِ أيَّةً
لِنفْسِي لقَدْ طَالبْتُ غَيْرَ مُنِيلِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١٩٧
قال : فإية منصوب بـ :" كُفْرانَ " أي : أكفر الله أية لنفسي، ولا يجوز أن تنصب " أيَّةً " بـ :" أوَيْتُ " مضمراً، لئلا يلزم الفصل بين مفعولي :" أرَى " بجملتين أي : بـ " لاَ "، وما في خبرها، وبـ " أوَيْتُ " المقدرة، ومعنى " أوَيْتُ " رققت وجعل منه بانُ مالكٍ ما جاء في الحديث :" لا صُمْتَ يومٌ إلى اللَّيلِ " برفع " يَوْمٌ " على أنه مرفوعٌ بالمصدر المنحل لحرف مصدريّ، وفعل مبني للمعفول وفي بعض ما تقدَّم خلافٌ، وأمَّا تعليقه بالاستقرار المقدَّر فواضح، ولذلك وقف أكثرُ القراء عليه، وابتدأ بـ :" يَغفِرُ اللهُ لكُمْ " وأما تعليقه بـ :" يَغْفِرُ " فواضحٌ أيضاً ولذلك وقف بعض القراء على :" عَليْكُمْ "، وابتدأ :" اليَوْم يغفرُ اللهُ لكُمْ " وجوَّزوا أن يكون خبر :" لا " محذوفاً، و " عَلَيْكُمْ "، و " اليَوْمَ " كلاهما متعلقان بمحذوف آخر يدلُّ عليه :" تَثْريبَ "، والتقدير : لا تثريبَ يتثرب علكيم اليوم كما قدروا في :﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [هود : ٤٣] لا عاصم يعصمُ اليوم.
قال أبو حيَّان :" لو قيل به لكان قويًّا "، وقد يفرَّق بينهما : بأنّ هنا يلزم كثرة المجاز، وذلك أنَّك تحذف الخبر، وتحذف هذا الذي تعلق به الظرف وحرف الجر،
٢٠٥


الصفحة التالية
Icon