وقال آخرونك بل كان ضعف بصره من كثرة البكاءِ والحزن، فلمَّا ألقوا القميص على وجهه، وبشَّره بحياةِ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عظم فرحه وانشرح صدرهُ وزالت أحزانه فعند ذلك قَوي بصره، وعادت قُوَّته بعد الضَّعف، وقال :﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من حياة يوسف من جهة رُؤيَاه، وهو أنَّ الله يجمع بيننا، وهو إشارةٌ إلى قوله :﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف : ٨٦].
روي أنَّه قال للبشير : كيف حاله ؟ قال : إنَّه ملكُ مصر، قال : ما أصنعُ بالملك، على أي دين تركته ؟ قال : على دين الإسلام، قال : الآن تمَّت النِّعمة.
ثمَّ إن أولاد يعقوب أخذوا يعتذرون، و ﴿قَالُواْ يا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى ﴾ فوعدهم بأنه يستغفر لهم.
قال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ : أخَّر الاستغفار لهم إلى وقتِ السَّحر، وهو الوقت الذي يقول الله فيه :﴿هل من داع فأستجيب له﴾.
وروي عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ رواية أخرى : أنَّه أخَّر الاستغفار إلى ليلة الجمعة ؛ لأنَّها أوفق الأوقات لرجاءِ الإجابة.
وقيل : أخَّر الاستغفار ليعلم هل تابوا حقيقة أم لا ؟ وهل أخلصوا في التَّوبة أم لا ؟.
وقيل : استغفر لهم في الحالِ، ومعنى :﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ﴾ أي أداوم على الاستغفار في المستقبل.
وروي : أنه كان يستغفر لهم في كلِّ ليلةِ جمعةٍ في نيّق وعشرين سنة.
روي أنَّ يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب مائتي راحلة، وجهازاً كثراً، لياتوا بيعقوب وأهله وولده، فخرجوا وهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة، فلمَّا دنا من مصر كلَّم يوسف الملك الذي فوقه، فخرج يوسف، والملك في أربعة آلاف من الجُندِ، وركب أهل مصر معهما فتلقوا يقعوب، وهو يتوكأ على يهوذا ماشياً ؛ فنظر إلى الجبل، وإلى الناس فقالوا : يا يهوذا : هذا فرعون مصر ؟ قال : لا هذا ابنُك يوسفُ، فلمَّا تدانيا ذهب يوسف يبدأ بالسَّلام، فقال جبريل ـ عليه السلام ـ : لا حتّى يبدأ يعقوب بالسلام، فقال يعقوب : السَّلام عليك.
٢١١
قال الثوريُّ : لما التقَى يعقوب ويوسف ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ عانق لك واحد منهما صاحبه وبكيا، فقال يوسف : يا أبتِ! بكيت عليَّ حتى ذهب بصرك، ألم علم أنَّ القيامة تجمعنا ؟ قال : بلى يا بُنَيّ، ولكن خشيت أن تسلب دينك، فيحال بيني وبينك.
قيل : دخل يعقوب وولده مصر، وهم اثنان وسبعون ما بين رجل، وامرأة، وخرجوا منها مع موسى، والمقاتلون ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً يوى الصبيان والشيوخ.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠٨
قوله :﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ الآية قال أكثر المفسرين المراد : أبوه خالته " ليَّا " وكانت أمه قد ماتت في نفاسها بنيامين وقال الحسنُ : أبوه وأمه، وكانت حية.
وروي : أنَّ الله ـ تعالى ـ أحيَا أمّه حتَّى جاءت مع يعقوب إلى مصر حتَّى سجدت له تحقيقاً لرؤيا يوسف.
وقيل : إن الخالة أم كما أنَّ العم أبٌ، قال تعالى :﴿إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [البقرة : ١٣٣]، ومعنى ﴿آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ ضمهما إليه، واعتنقهما.
فإن قيل : ما معنى دخولهما عليه قبل دخولهم مصر ؟.
فالجواب : أنَّهُ حين استقبلهم أنزلهم في خيمة، أو بيت هناك، فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وقال :﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، أي : أقيموا بها آمنين، سمَّى الإقامة دخولاً ؛ لاقتران أحدهما بالآخر.
قال السديُّ في هذا الاستثناء قولان : الأول : أنه عائدٌ إلى الأمن إلى الدخول، والمعنى : ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، كقوله تعالى :﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح : ٢٧].
٢١٢