" يمُرُّون علَيْهَا " كقولك : زَيْداً مررتُ بِهِ، وقرأ عكرمة، وعهمرو بن فايد :" والأرْضُ " على الابتداء، وخبره الجملة بعده، والضمير في هاتين القراءتين يعود على الأرض فقط.
قوله ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ والمعنى : أنَّهم كانوا مقرِّين بوجود الإله، قال ـ تعالى ـ :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر : ٣٨] إلا أنَّهم كانوا [يُثْبِتُون] له شريكاً في العبودية.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : نزلت في تلبية المشريكن من العرب، كانوا يقولون :" لَبِّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ، لبَّيْكَ لا شريكَ لَكَ إلاَّ شرِيكاً هو لَكَ تمْلِكهُ ومَا مَلَك ".
وعن عطاء ـ رضي الله عنه ـ هذا في الدعاء، قال تعالى :﴿وَظَنُّوا ااْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس : ٢٢] ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت : ٦٥].
وعن ابن عبَّاس : إن أهل مكة قالوا : الله ربَّنا لا شريك له، والملائكة بناتُه، فلم يوحِّدوا بل أشركوا، وقالت اليهود : ربُّنا الله وحده، وعزيزٌ ابن الله، وقالت النصارى : الله وحده، والمسيح ابن الله.
واحتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان : عبارة عن الإقرار باللسان فقط ؛ لأنه ـ تعالى ـ حكم بكونهم مؤمنين مع أنَّهم مشركون، وذلك يدلُّ على أن الإيمان عبارةٌ عن مجرَّد الإقرار، وجوابه معلُوم.
قوله تعالى :﴿أَفَأَمِنُوا ااْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ : عقوبة تغشاهم، وتنبسط عليهم، وتغمرهم.
﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾.
قرأ أبو حفص، ومبشر بن عبدالله :﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ بالياء من تحت ؛ لأنه مؤنَّث مجازي ؛ وللفصل أيضاً، و " بَغْتَةً " : نصب على الحال، يقال : بغَتهُمُ الأمْرُ بغتاً وبَغْتَةً، إذا فاجأهم من حيث لم يتوقَّعوا.
وقوله :﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ الناصب لقوله :" بغْتَةً ".
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٢١
قوله :﴿قُلْ هَـاذِهِ سَبِيلِى ﴾ الآية.
٢٢٣
قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها ومثله :﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل : ١٣٥] والسَّبيل في أصل اللغة : الطريق، ثم شبهوا بها التعبُّدات ؛ لأن الإنسان يمر عليها إلى الجنَّة.
قوله :﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً، وهو الظاهر، وأن يكون حالاً من الياءِ، و ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ حال من فاعل " أدْعُوا " أي : أدعوا كائناً على بصيرةٍ.
وقيل : تمَّ الكلام عند قوله :﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ ثم استأنف ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
قوله ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ عطفٌ عليه، أي : على فاعل " أدْعوا " ولذلك أكد بالضمير المنفصل، ويجوز أني كون متبدأ، والخبر محذوف، أي : ومن اتَّبعني يدعو أيضاً، ويجوز أن يكون " عَلَى بَصِيرةٍ " : خبراً مقدماً، و " أنَا " : مبتدأ مؤخر، و " مَنِ اتَّبعَنِي " عطف عليه أيضاً، ومفعول " أدْعُوا " يجوز أن لا يراد، أي : أنا من أهل الدُّعاء إلى الله، ويجوز أن يقدَّر : أن أدعوا االناس.
وقرأ عبدالله :" هذَا سَبِيلِي " بالتَّذكيرن وقد تقدَّم [الأنعام : ٥٥] أنه يذكَّر ويؤنَّث.
فصل والمعنى : أدْعُوا إلى شالله على بصيرةٍ على يقين، والبصيرةُ : هي المعرفة التي يميز بها بين الحقِّ والباطل، وهي الحجَّة والبرهان، " أنَا ومَنِ اتَّبعَنِي " : آمَنَ بي، وسار في طريقي، وسيرهُ : اتِّباع الدَّعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.
قال الكلبيُّ، وابنُ زيد : حقٌّ على من اتَّبعه أن يدعو إلى ما دعى إليه ويذكِّر بالقرآن.
قال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ : يعني : أصحاب رسُول الله ﷺ كانوا على أحسن طريقةٍ، وأقدص هداية معدن العلم، وكنز الإيمان وجند الرَّحمن.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" العُلمَاءُ أمَناءُ الرُّسلِ على عِبَادهِ، حيثُ يَحْفَظُونَ ما يدْعُونَ إليْهِ ".
ثم قال ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ أي : وقل : سبحان الله تنزيهاً عمَّا يشركون.
﴿وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين اتَّخذوا من الله ضدًّا وندًّا.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ علم الأصول حرفة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، وأن الله تعالى ـ ما بعثهم إلى الخلقِ إلا لأجلها.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٢٣