فهذه هي المواضع الختلف فيها، وأمَّا ضبط الخلاف فيها بالنِّسبة إلى القراء فيه طريقان : أحدهما : بالنِّسبةإلى ذكر القرَّاءِ.
والثاني : بالنسبة إلى ذكر السُّور.
فاعلم أنَّ هذه المواضعِ تنقسم قسمين : قسم منها سبعة مواضع لها حكم واحد، وقسم منها أربعة مواضع، لكلِّ منها حكم على حدته.
أمَّا القسمُ الأوَّل فمنه في هذه السورة، والثاني، والثالث في :" سُبْحَانَ " والرابع : في " المؤمنون "، والخامس : في " الم " السجدة، والسادس، والسابع : في الصافات وحكمها :" أنَّ نافعاً، والكسائي يستفهمان في الأول، ويخبران في الثاني، وأن ابن عامر يخبر في الأول، ويستفهم في الثاني، والباقين يستفهمون في الأول والثاني.
وأما القسم الثاني، فأوله ما في سورة النمل، وحكمه : أن نافعاً يخبر عن الأول، ويستفهم في الثاني، وأن ابن عامر والكسائي بعكسه، وأن الباقين يستفهمون فيهما.
الثاني : ما في العنكبوت، وحكمه : أن نافعاً، وابن كثير، وابن عامر، وحفصاً يخبرون في الأول، ويستفهمون في الثاني، والباقون، يستفهمون فيهما.
الثالث : ما في سورة الواقعة، وحكمه : أن نافعاً، والكسائي يستهفمان في الأول، ويخبران في الثاني، والباقون يستفهمون فيهما.
الرابع : ما في سورة النازعات، وحكمه : أن نافعاً وابن عامر والكسائي يستفهمون في الأول، وخبرون في الثاني، والبقاين يستفهمون فيهما.
وأما الطريق الآخر بالنسبةإلى القراء ؛ فإنهم فيها على أربع مراتب : الأول : أن نافعاً قرأ بالاستفهام في الأول، وبالخبر في الثاني، إلا في النمل والعنكبوت فإنه العكس.
المرتبة الثانية : أنَّ ابن كثير، وحفصاًم قرآ بالاستفهام في الأول والثاني إلا الأول من العنكبوت فقرآه بالخبر.
المرتبة الثالثة : أنَّ ابن عامرٍ قرأ بالخبر في الأوَّل، والاستفهام في الثَّاني إلا في النمل، والواقعة، والنازعات، فقرأ في النمل، والنازعات بالاستفهام في الأول، وبالخبر في الثاني، وفي الواقعة بالاستفهام فيهما.
المرتبة الرابعة : الباقون وهم : أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر ـ رضي الله عنهم
٢٥١
أجمعين ـ قرءوا بالاستفهام في الأول، والثاني، ولم يخالف أحدٌ منهم أصله.
قال شهاب الدين :" وإنما ذكرت هذين الطريقين لعسرهما، وصعوبة استخراجهما من كتب القراءات.
فأمَّا وجه قراءة من استفهم في الأوَّل، والثاني ؛ فقصد المبالغة في الإنكار، فأتى به في الجملة الأولى، وأعاده في الثانية تأكيداً له، ووجه من أتى به مرة واحدة : حصول المقصود به ؛ لأنَّ كل جملة مرتبطة بالأخرى، فإذا أنكر في إحداها حصل الإنكارُ في الأخرى، وأمَّا من خالف أصله في شيءٍ من ذلك، فلاتباع الأثر ".
فصل هذا الخطاب لرسول الله ﷺ ومعناه : أنَّك تعجبُ من إنكارهم النَّشأة الأخرى مع إقرارهم باتبداءِ الخلق، فعجب أمرهم، وكان المشركون ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وحقد تقرَّر في القلوب أنَّ الإعادة أهون من الابتداء، فهذا موضع العجب.
ثم قال :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ وهذا يدلُّ على أنَّ من أنكر البعث والقيامة فهو كافرٌ، وإنما لزم من إنكار البعثِ الكفر بالله تعالى ؛ لأنَّ إنكار البعث لا يتمُّ إلا بإنكار القدرة، والعلم، والصدق، وأما إنكار القدرة فكقوله : الله غير قادر على الإعادة، وأما إنكار العلم فكقوله : الله غير عالم بالجزيئات، فلا يمكنه تمييز المطيع عن العاصي، وأمَّا إنكار الصِّدق فكقولهم : إنَّه أخبر عنه، ولكنه لا يفعل ؛ لأنَّ الكذب جائز عليه، وكل ذلك كفرٌ بالله ـ تعالى ـ.
ثم قال :﴿وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِى أَعْنَاقِهِمْ﴾ قال الأصمُّ : المراد بالأغلالِ : كفرهم وذلهم، وانقيادهم للأصنام، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً﴾ [يس : ٨٠] ؛ وقال الشاعر :[البسيط] ٣١٦٥ـ..................
لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أغْلالٌ وأقْيَادُ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٤٩
ويقال للرَّجلُ : هذا غلٌّ في عنقك للعمل الرَّديء، معناه : أنَّه [ملازم] لك، وأنت مُجازًى عليه بالعذابِ.
٢٥٢