ذكرٌ، أم أثنى، أم ناقصٌ، وحسنٌ، أم قبيحٌ، وطويلٌ، أم قصيرٌ أو غير ذلك من الأحوال.
وقوله سبحانه :﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾ الغيضُ : النقصان سواء كان لازماً، أو متعدياً فيقال : غاض الماء وغضته أنا، ومنه قوله تعالى :﴿وَغِيضَ الْمَآءُ﴾ [هود : ٤٤] والمعنى : ما تغضيه الأرحام إلاَّ أنه حذف الرَّافع.
و " مَا تَزْدادُ "، أي تأخذه زيادة، تقول : أخذت منه حقي، وازددت منه كذا، ومنه قوله تعالى :﴿وَازْدَادُواْ تِسْعاً﴾ [الكهف : ٢٥].
ثم اختلفوا فيما تفيضه الرحم، وما تزداده على وجوهٍ : الأول : عدد الولد فإنَّ الرَّحم قد يشتمل على واحدٍ، وعلى اثنين، وثلاثة، وأربعة.
يروى أن شريكاً كان رابع أربعة في بطن أمه.
الثاني : عند الولادة قد تكون زائدة، وقد تكون ناقصة.
الثالث :[مدة الولادة] قد تكون تسعة أشهر [فأزيد] إلى سنتين عند أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ وإلى أربع عند الشافعي ـ رضي الله عنه ـ، وإلى خمس عند مالكٍ ـ رضي الله ـ.
قيل : إنَّ الضحاك ولد لسنتين، وهرم بن حيان بقي في بطن أمِّه أربع سنين، ولذلك سميي هرماً.
الرابع : الدم ؛ فإنه تارة يقلُّ، وتارة يكثرُ.
الخامس : ما ينقصُ بالسَّقط من غير أن يتم، وما يزداد بالتَّمامِ.
السادس : ما ينقصُ بظهور دم الحيض ؛ لأنَّه إذا سال الدَّم في وقت الحمل ضعف الولد، ونقص بمقدار ذلك النقصان، وتزداد أيام الحمل، لتصير هذه الزيادة جابرة لذلك النُّقصان.
قال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنه ـ :" كلَّما سال الحيضُ في وقت الحمل يوماً، زاد في مدَّة الحمل يوماً، ليحصل الجبرُ، ويعتدلُ الأمر ".
وهذا يدلُّ على أنَّ الحامل تحيضُ، وهو مذهب مالكٍ، وأحد قولي الشَّافعي لقول ابن عباس في تأويل هذه الآية : إنَّه حيض الحبالى، وهو قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ وأنها كانت تفتي النِّساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصَّلاة.
٢٦٠
وقال المخالف : لو كانت الحاملُ تحيض مكان ما تراه المرأة من الدَّم حيضاً، لما صحَّ استراءُ الأمة بحيضة، وهذا بالإجماع.
السابع : أن دم الحيض فضلة تجتمع في [بطن] المرأة، فإذا امتلأت عروقها من تلك الفضلات ؛ فاضت، وخرجت، وسالت من دواخل تلك العروض، ثم إذا سالت تلك المواد، امتلأت تلك العروض مرَّة أخرى.
هذا كلُّه إذا قلنا : إن " ما : موصولة.
فإذا قلنا : إنَّها مصدرية : فالمعنى أنَّه ـ تعالى ـ يعلمُ حمل كلَّ شيءٍ، ويعلم غيض الأرحام، وازديادها لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولا أوقاته، وأحوالهن.
ثم قال :﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ يحتمل أن يكون المراد بالعنديَّة : العلم ومعناه : أنَّه تعالى يعلم كمية كل شيء، وكيفيته على الوجه المفصل المبين ومتى كان الأمر كذلك امتنع وقوع التغيير في تلك المعلومات، ويحتمل أن يكون المراد من العنديَّة أنه ـ تعالى ـ خصَّص كل حادث بوقت معين، وحال معينة بمشيئة الأزليَّة وإرادته السرمدية.
وعند حكماء الإسلام : أنه ـ تعالى ـ وضع أشياء كلّيّة، وأودع فيها قوى، وخواصَّ، وحركها بحيث يلزم من حركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة أحوال جزيئة متعينة ومناسبات مخصوصة [مقدرة]، ويدخل في هذه الآية أفعالُ العبادِ، وأحوالهم، وخواطرهم، وهي من أدلِّ الدَّلائلِ على بطلان قول المعتزلةِ.
قوله :" عِنْدَهُ " يجوز أن يكون مجرور المحل صفة لـ " شَيْءٍ "، أو مرفوعة صفة لـ " كُلُّ "، أو منصوبة ظرفاً لقوله :" بِمقْدارٍ "، أو ظرفاً للاستقرار الذي تعلق به الجار لوقوعه خبراً.
قوله :﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ، وخبره :" الكَبيرُ المتعَالِ "، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ، أي : هو عالمٌ.
وقرأ زيد بن عليى " عَالِمَ " نصمباً على المدحِ.
ووقف ابنُ كثير، وأبو عمرو في رواية على ياءِ " المُتعَالِ " وصلاً ووقفاً، وهذا هو الأشهر في لسانهم، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً لحذفها في الرَّسم.
واستسهل سيبويه حذفها الفواصل، والقوافي، ولأنَّ " ألْ " تعاقب التنوين، فحذفت معها إجراء لها مجراها.
٢٦١


الصفحة التالية
Icon