بالفعل، فلو كان العبد مستقلاً بتحصيل الإيمان، ولكان قادراً على ردّ ما أراد الله ـ تعالى ـ من كفر، وحينئذٍ بطل قوله :﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُواءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ﴾ ؛ فثبت أنَّ الآية السابقة، وإن أشعرب بمذهبهم إلا أن هذا من أقوى الدلائل على مذهبنا.
روى الضحاك عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنه ـ : لم تغن المعقبات شيئاً وقال عطاء عنه : لا رادّ لعذابي، و لاناقض لحكمي :﴿وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾، أي : ليس لهم من دون الله من يتولاهم، ويمنع قضاء الله عنهم، أي : مال هم والٍ يتولَّى أمرهم، ويمنع العذاب عهم.
قوله :﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ﴾ " العامل في " إذَا " محذوف لدلالة جوابها عليه تقديره : لم يرد أو وقع، أو نحوهما، ولا يعمل فيها جوابها ؛ لأنَّ ما بعد الفاء لا يعملُ فيما قبلها.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٥٨
قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ﴾ الآية لما خوَّف العباد بإنزال ما لا مرد له، أتبعه بذكر هذه الآية المشتملة على قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته، وهي تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب، والقهر من بعض الوجوه.
قوله :" خوفاً وطمعاً " يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف، أي : يخافون خوفاً، ويطمعون طمعاً، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحالِ، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان : أحدهما : أنه مفعول :" يُرِيكُمْ " الأول، أي : خائفين طامعين، أي : تخافون صواعقه وتطمعون في مطره، كما قال المتنبي :[الطويل] ٣١٧٠ـ فَتًى كالسَّحابِ الجُونِ يُخْشَى ويُرْتَجَى
يُرجَّى الحَيَا مِنهَا وتُخْشَى الصَّوعِقُ
والثاني : أنَّه البرق، أي : يريكموه حالَ كيف ذا خوفٍ وطمعٍ، إذ هو ف ينفسه خوف وطمع على المبالغة، ولمعنى كما تقدَّم.
ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، ذكره أبو البقاء، ومنعه الزمخشريُّ لعدم اتِّحادِ
٢٧٢
الفاعل، يعني أنَّ فاعل " الإرادة " وهو الله ـ تعالى ـ غير فاعل الخوف، والطمع، وهو ضمير المخاطبين، فاخلتف فاعل الفعل المعلل، وفاعل العلة وهذا يمكن أن يجاب عنه : بأنَّ المفعول في قوَّة الفاعل، فإن معنى " يُرِيكُم " يجعلكم رائين، فتخافون، وتطمعون.
ومثله ف يالمعنى قوله النابغة الذبياني :[الطويل] ٣١٧١ـ وحَلَّتْ بُيوتِي في يَشفاعٍ مُمنَّعٍ
تَخالُ بهِ رَاعِي الحَمُولةِ طَائِرَا
حِذَاراً على الاَّتَنالَ مَقادَتِي
ولا نِسْوتِي حتَّى يَمُتْنَ حَرائِرَا
فـ " حذارا " مفعول من أجله، فاعله هو المتكلم، والفعل المعلل الذي هو :" حَلَّت " فالعه " بُيُوتِي " فقد اختلف الفاعل، قالوا : لكن لما كان التقدير : وأحللت بيوتي حذاراً صحَّ ذلك.
وقد جوَّز الزمخشريُّ ذلك أيضاً على حذف مضاف فقال :" إلاَّ على تقدير حذف مضاف، أي : إرادة خوفٍ، وطمع، وجوَّزه، أيضاً على أن بعض المصادر ناب عن بعض.
يعني أن الأصل : يريكم البرق إخافة، وإطماعاً ".
فإنَّ المرئي، المخيف، والمطمع هو الله ـ تعالى ـ فناب خوف عن أخافة، وطمع عن إطماع، نحو :﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ [نوح : ١٧] على أنه قد ذهب ابن خروف، وجماعة على أنَّ اتحاد الفعل ليس بشرط.

فصل في كون البرق خوفاً وطمعاً وجوه : قيل : يخاف منه نزول الصَّواعق، وطمع في نزول الغيثِ.


وقيل : يخافُ المطر من يتضرر به كالمسافر، ومن في جرابه التمر والزبيب، والحب، ويطمع فيه من له فيه نفعٌ.
وقيل : يخاف منه في غير مكانه، وأمانه، يطمع فيه إذا كان في مكانه وأمانه، ومن البلدان إذا مطروا، قحطوا، وإذا لم يمطروا خصبوا.
قال ابن الخطيب :" البرقُ جسمٌ مركبٌ من أجزاء رطبة مائية، ومن أجزاء هوائية ولا شك أنَّ الغالب عليه الأجزاء المائية، والماء جسمٌ باردٌ رطبٌ، والنَّار جسم حار يابس فظُورُ الضدِّ من الضد التام على خلافِ العقل، فلا بد من صانع مختا اار يظهر الضدّ من الضدّ ".
ثم قال :" ويُنْشِىءُ السَّحاب الثِّقَال " بالمطر، ويقال : أنشأ الله السحابة، فنشأت، أي : أبدأها فبدأت.
قال الزمخشري :" السَّحابُ : اسم جنس الواحدة سحابة، والثقال : جمع ثقيلة ؛
٢٧٣


الصفحة التالية
Icon