سورة إبراهيم
مكية في قول الحسن، وعكرمة، وجابر.
وقال ابن عباس، وقتادة _ رضي الله عنهم _ وهي مكية إلا ااثنتين، وقيل : ثلاث من قوله تعالى :﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا﴾ [الآية : ٢٨] إلى قوله تعالى :﴿فإن مصيركم إلى النار﴾ فإنها مدنية.
وهي اثنتان وخمسون آية، وعدد كلماتها ثمان مائة وإحدى وثلاثون كلمة وعدد حروفها ثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا.
قال ابن الخطيب : ومتى لم يكن في السورة ما لا يتصل بالأحكام فمكة والمدينة فيه سواء، وإنما يختلف الغرض في ذلك إذا حصل في السورة ناسخ ومنسوخ ؛ فيكون فيه فائدة عظيمة والله أعلم.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢٧
قوله تعالى :﴿الار كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ يجوز أن يرتفع " كِتابٌ " على أنَّه خبر لـ " الر " : إن قلنا : إنَّها مبتدأ، والجملة بعد صفة، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي : هذا، وأن يرتفع بالابتداء خبره الجملة بعده، وجاز الابتجاء بالنكرة ؛ لأنَّها موصوفة تقديراً، تقديره : كتماب، أي : كتاب يعني عظيماً من بين الكتب السماوية.
قالت المعتزلة : النَّازلُ، والمنزلُ لا يكون قديماً.
والجواب : أنَّ الموصوف بالمنزل هو هذه الحروف وهي محدثةٌ.
٣٢٨
قوله :﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ﴾ متعلق بـ " أنْزَلناهُ ".
وقرىء (ليَخْرُجَ الناس) بفتح الياءِ وضمِّ الراء، من خَرَجَ يَخْرُجُ.
" النَّاسُ " رفعاً على الفاعليَّة.
قالت المعتزلة : اللاَّم في " لِتُخْرِجَ " لام الغرض والحكمة، تدلُّ على أنه ـ تعالى ـ إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض، فدل على أنَّ أقوال الله ـ تعالى ـ وأفعاله معللة برعاية المصالح.
وأجيب : بأن من فعل فعلاً لأجل شيءٍ أخر، فهذا إنَّما يفعله إذا كان عاجزاً عن تحصيل ذلك المقصود إلاَّ بهذه الواسطة، وذلك محالٌ في حقِّ الله ـ تعالى ـ، وإذا ثبت بالدَّليل منع تعليل أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه بالعلل ؛ ثبت أنَّ كل ظاهر أشعر به فهو مؤول على معنى آخر.
فصل قوله تعالى :﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أي : لتدعوهم من ظلمات [الظَّلال] إلى نُورِ الإيمان.
قال القاضي ـ رحمه الله ـ : هذه الآية تبطل القول بالجبر من جهات : أحدها : أنَّه ـ تعالى ـ لو خلق الكفر في الكافر، فكيف يصحُّ إخراجه منه الكتاب.
وثانيها : أنَّه ـ تعالى ـ أضاف الإخراج من الظُّلمات إلى النور إلى الرَّسُول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن كان خالق الكفر هو الله ـ تعالى ـ فكيف يصحُّ من الرسول صلوات الله وسلامه عليه ـ إخراجهم منه، وكان للكافر أن يقول : إنَّك تقول : إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصحُّ منك أن تخرجنا ؟.
فإن قال لهم : أنا أخرجكم من الظُّلماتِ التي هي كفر مستقبل لا واقع فلهم أن يقولوا : إنه كان الله سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج، وإن لم يخلقه الله فنحن خارجون منه بلا إخراج.
وثالثها : أنه ـ صلواتُ الله وسلامه عليه ـ إنَّما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليه ليتدبروهن ؛ ولينظروا فيه فيعلموا بالنَّظر، والاستدلال كونه ـ تعالى ـ علماً قادراً حكيماً، ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فحينئذ يقبلوا منه كلَّ ما جاءهم من الشَّرائع، وذلك إنَّما يكون إذا كان الفعل ويقع باختيارهم، ويصحُّ منهم أن يقدموا عليه ويتصرَّفوا فيه.
والجواب عن الكل : أن يقال : الفعل الصادر من العبد.
إمَّا أن يصدر عنه حال استواء الدَّاعي إلى الفعل والترك.
٣٢٩


الصفحة التالية
Icon