أي : مقام العباد عندي، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
الثالث : لمن خاف مقامي، أي : لمن خافني، وذكر المقام هنا، كقولك سلامٌ على المَجْلسِ الفُلاني، والمراد : السَّلام على فلان.
قوله :﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ قال الواحدي : الوعيد اسمٌ من أوْعَد إيعَاداً وهو التَّهديد.
قال ابن عباس : خاف ما أوعدت من العذاب.
وهذا الآية تدلُّ على أنَّ الخوف من الله ـ تعالى ـ غير الخوف من عيده ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٤٤
قوله :﴿وَاسْتَفْتَحُواْ﴾ العامة على " اسْتفْتَحُوا " فعلاً ماضياً، وفي ضميره أقوال : أحدها : أنه عائد على الرًّسلِ الكرام، ومعنى الاستفتاح : الاستنصار كقوله :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال : ١٩].
وقيل : طلب الحكم من الفتاحة، وهي الحكومة، كقوله تعالى :﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف : ٨٩].
الثاني : أن يعود على الكفار، أي أستفتح أمم الرسل عليهم ؛ كقوله تعالى :﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ﴾ [الأنفال : ٣٢] وقيل : عائد على القولين ؛ لأن كلاَّ طلب النصر على صاحبه.
وقيل : يعود على قريش ؛ لأنهم في سني الجدب استمطروا فلم يمطروا، وهو على هذا مستأنف، وأما علىغيره من الأقوال فهو عطف على قوله :" فاوحى إليهم ".
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن رضي الله عنهم " واستفتحوا " على لفظ الأمر أمراً للرسل بطلب النصرة، وهي تقوية لعوده في المشهورة على الرسل، والتقدير : قال لهم : لنهلكن، وقال لهم : استفتحوا.
قوله :" وخاب " هو في قراءة العامة عطف على محذوف، وتقيدره : استفتحوا، فنصروا، وخاب، ويجوز أن يكون عطفاً على " استفتحوا " على أن الضمير فيه للكفار، وفي غيرها على القول المحذوف وقد تقدم أنه يعطف الطلب على الخبر وبالعكس.
إن قلنا : المستفتحون الرسل عليهم الصلاة والسلام، فنصورا وظفروا، وهو قول مجاهد
٣٥٦
وقتادة، وذلك أنهم لما أيسوا من إيمان قومهم استنصروا الله، ودعوا على قومهم بالعذاب، كما قال نوح ـ صلوات الله عليه ـ :﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ [نوح : ٢٦].
وإن قلنا : المستفتحون الكفرة كان المعنى أن الكفار استفتحوا على الرسل ظنًّا منهم أنهم على الحق والرسل على الباطل، وذلك أنههم قالوا :" اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا " نظيره :﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال : ٣٢].
" وخَابَ " ما أفلح.
وقيل : خر.
وقيل : هلك كل جبّار عنيد.
والجبَّارُ الذي لا يرى فوقه أحداً، والجبريةُ طلب العلوْ بما لا غاية وراءه، وهذا الوصف لا يكون إلا الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.
وقيل : الجبَّار الذي يجبر الخلق على مراده، والجبَّار هنا : المتكبر على طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وعبادته، ومنه قوله تعالى :﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً﴾ [مريم : ١٤].
قال أبو عبيدة :" الأجْبَر يقال فيه جبريّة، وجَبرُوَّة، وجَبرُوت ".
وحكى الزجاج :" الجِبْرُ، والجِبْرِية، والجِبَّارة، الجِبْرِيَاءُ ".
قال الواحديُّ :" فهذه سبع لغات في مصدر الجبَّار، ومنه الحديث :" أن امرأة حضرت النبي ﷺ فأمَرهَا بِأمْرٍ فأبتْ عليْهِ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" دَعُوهَا فإنَّها جَبَّارةٌ " أي : مستكبرة "، وأمَّا العنيد فقال أهلُ اللغة في اشتقاقه : قال البصريون : أصل العُنُود : الخلاف، والتباعد، والترك.
وقال غيرهم : أصله من العَنْد وهو النَّاحية، يقال : هو يمشي عنداً، أي : ناحية فهو المُعانِدُ للحق بجانبه، قاله مجاهد.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه : هوالمعرض عن الحق.
وقال مقاتلٌ : هو المتكبّر وقال قتادة : العَنِيدُ الذي أبى أن يقال : لا إلهَ إلاَّ الله.
ثم ذكر كيفية عذابهن فقال :" مِنْ وَرائِهِ " جملة في محلّ جر صفة لـ " جبَّارٍ " ويجوز أن تكون الصفة وحدها الجار، و " جهنم : فاعل به.
٣٥٧
وقوله :" ويسقى " صفة معطوفة على الصفة قبلها.
عطف جملة فعلية على اسمية فإن جعلت الصفة الجار وحده، وعلقته بفعل كان من عطف فعلية على فعلية.
وقيل : عطف على محذوف، أي : يلقى فيها، ويُسْقَى.
و " وَرَاءِ " هنا على بابها، وقيل بمعنى أمام، فهو من الأضداد، وهذا عنى الزمخشري بقوله :" مِنْ بَيْنِ يَديْهِ " وأنشد :[الوافر] ٣٢٠٠ـ عَسَى الكَرْبُ الَّذي أمْسَيْتُ فِيهِ
يَكونُ وَراءَهُ فَرجٌ قَرِيب
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٥٦
وهو قول أبي عبيدة و ابن السِّكيت، وقطرب، وابن جريرٍ ؛ وقال الشاعر في ذلك :[الطويل] ٣٢٠١ـ أيَرْجُو بنُو مَرْوان سَمْعِي وطَاعتِي
وقَوْمُ تَميمٍ والفَلاةُ وَرَئِيَا


الصفحة التالية
Icon