جعل " برَّة " علماً للمبرة، و " ما " مصدرية ظرفية "، أي : فيكون على حذف مضاف أي : سبحان صاحب تسخيركن ؛ لأن التسبيح لا يليقُ إلا بالله ـ عزَّ وجلَّ ـ..
الوجه الثاني : أن " ما " مصدرية، اي : بإشراككم إياي مع الله، لي الطاعة.
قوله " مِنْ قَبْلُ " متعهلق بـ " كَفرْتُ " على القول الأوَّل ؛ أي كفرت من قبل حين أبَيْتُ السجود لآدم عليه السلام بالذي أشركتموني وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وبـ " أشْرَكْتُ " على الثاني، أي : كفرت اليوم بإشراككم إيَّاي من قبل هذا اليوم أي : في الدنيا، كقوله ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر : ١٤]، هذا قول الزمخشري ـ رحمه الله ـ.
وجوَّز أبو البقاء متعلقه بـ " كَفرْتُ " وبـ " أشْرَكْتمُونِي " من غير ترتيب على كون :" مَا " مصدرية أوموصولة.
فقال : و " مِنْ قَبْلُ " متعلق بـ " أشْرَكْتمُونِي "، أي : كفرت الآن بما أشركتموني من قبل.
وقيل : هي متعلقة بـ " كَفرْتُ " أي : كفرت من قبل إشراككم، فلا أنفعكم شيئاً.
وقرأ ابو عمرو بإثبات الياء في " أشْرَكْتمُونِي " وصلاً، وحذفها وقفاً، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً، وهنا تم كلام الشيطان.
وقوله ﴿إِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ من كلام الله ـ تعالى ـ، ويجوز أن يكون من كلام الشيطان.
و " عَذابٌ " يجوز رفعه بالجار قبله على أنَّه الخبر، وعلى الابتداء وخبره الجار.
قوله تعالى :﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ الآية لما شرح حال الأشقياء شرح أحوال السُّعداءِ فقال ـ، عزَّ وجلَّ ـ ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ قرأ العامة " أدْخِلَ " ماضياً مبنياً للمفعول، والفاعل الله أو الملائكة.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد :" أدخلُ " مضارعاً مستنداً للمتكلم وهو الله ـ تعالى ـ فمحل الموصول على الأولى رفع، وعلى الثانية نصبٌ.
قوله :﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ في قراءة العامة يتعلق بـ " أدْخِلَ " أي : أدخلوا بأمره، وتيسيره.
ويجوز تعلقه بمحذوف على أنَّه حال، أي : ملتبسين بأمر ربهم.
وجوز أبو البقاء ِأن يكون من تمام :" خَالِدينَ " يعني : أنه متعلق به، وليس بممتنع، وكذا على قراءة الشَّيخين.
٣٧٧
فقال الزمخشريُّ : فإن قلت :" فَبِمَ يتعلَّق في القراءةِ الأخرى، وقولك : وأدخل أنا بإذن ربهم كلام غير ملتئم ؟.
قلت : الوجه في هذه القراءة أنَّه يتعلق بما بعده، أي : تحيتهم فيها سلام بإذنِ ربهم ".
ورد عليه أبو حيَّان هذا بأنه لا يتقدم معمول المصدر عليه.
وقد علقه غير الزمخشريِّ بـ " أدْخِلَ "، ولا تنافر في ذلك ؛ لأنَّ كلَّ أحد يعلم أنَّ المتكلم في قوله :" وأدْخِلَ " أنه هو الله ـ تعالى ـ.
وأحسن من هذين أن يتعلق بما بعده، أي : تحيتهم فيها سلامٌ بإن ربهم ورد في هذه القراءة بمحذوف على أنَّه حال كما تقدَّم تقديره.
و " تَحِيَّتُهُمْ " مصدر مضاف لمفعوله، أي : يحييهم الله تعالى، أو ملائكته، ويجوزم أن يكون مضافاً لفاعله، أي : يحيى بعضهم بعضاً.
ويعضد الأول ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد : ٢٣، ٢٤] و ﴿فِيهَا﴾ متعلق به.
فصل أعلم أنَّ الثَّواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فأشار بقوله تعالى :﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ إلى المنفعة الخالصة واشار بقوله :﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ إلى دوامها، وأشار إلى كونها مقرونة بالتعظيم بقوله ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي : بإذن الله وأمره، وبقوله ـ عزَّ وجلَّ ـ ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ [يونس : ١٠] أي : أنهم يحيى بعضهم بعضاً بهذه الكلمة، أو الملائكة يحيونهم بها، كما قال تعالى :﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد : ٢٣، ٢٤] والرَّب الرحيم أيضاً يحييهم [بهذه الكلمة] ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس : ٥٨] والسلام مشتقش من السلامة، أي : أنهم سلموا من آفات الدنيا آمنوا من أمرضها وأسقامها.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٦٦
قوله تعالى :﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ لما شرح
٣٧٨


الصفحة التالية
Icon